ادب

قصة ليلى العامرية

تضم التراث العربي مجموعة كبيرة من قصص الحب المتنوعة التي تنتشر في الشعر عبر العصور. فالعشق والحب ألهما شعراء عرب عظماء، حيث خلد هؤلاء الشعراء أعظم المشاعر التي وصفت بصدق وحقيقة. ومن أشهر هذه القصص قصة عنتر وعبلة، وكثير وعزة، وأيضا جميل وبثينة، وأخيرا قيس وليلى، وأبو العتاهية وعتبة. وتنتهي هذه القصص دائما بشكل مأساوي حيث يبتعد الحبيب عن محبوبته. وهذا ما حدث أيضا مع قيس، الذي أصبح مجنونا بليلته.

جدول المحتويات

العصر الأموي

يعتبر العصر الأموي هو من العصور التي ازدهر بها الشعر العربي كثيرًا، حيث بدأ هذا العصر في سنة 40 هـ، وانتهى في 132هـ، وفي التقويم الميلادي من 660م إلى 750م، حيث يعتبر نسب الأمويين يعود إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، فهو شخص يعود نسبه إلى قبيلة قريش، بل ويعتبروا من أكبر سادة قريش في هذا الوقت.

كان أبو سفيان بن حرب من كبار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو والد الصحابي معاوية بن أبي سفيان. كان من أوائل الخلفاء الأمويين في ذلك العصر، وكان الأدب والشعر في زمنه في أوجه. ظهر العديد من الشعراء العذريين وأبرزهم قيس، الذي اشتهر بحبه الجنوني لليلى، وكانت ليلى العامرية الشخصية المشهورة في ذلك الوقت، حيث وصفها قيس بشكل مجنون في قصائده وأشعاره.

ليلى العامرية

ليلى العامرية وأسمها بالكامل ليلى بنت مهدي بن سعد بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خفصة من قيس وتكنى بأم مالك، وهي من شعراء العصر الأموي، ولدت ليلي في العام الثامن والعشرين من الهجرة في بادية بمنطقة نجد في عصر الخلافة الراشدة، تنتمي ليلي إلى قبيلة هوازن إحدى القبائل العربية المشهورة في هذا الوقت.

حيث ولدت بعد مرور أربع سنوات من ولادة قيس بن الملوح حبيبها وابن عمها والذي كان يلقب بمجنون ليلى، وذلك بسبب عشقه وحبه الغير محدود لها، فهو كتب فيها العديد من القصائد والتي تعتبر الآن من أهم قصائد الشعر العربي، عاصرت ليلي الكثير من الحكام الأمويين ومنهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان.

نشأت ليلي وقضت فترة طفولتها ومراهقتها مع ابن عمها قيس، حيث كانا يرعيان الغنم معا في البراري. خلال هذا الوقت، نشأت علاقة حب بين ليلي وقيس، وأصبح الأمر كبيرا وواضحا عندما بلغت ليلي سن الرشد. وهذا ما دفع والدها لمنعها من الخروج والتواصل مع قيس. عاش الحبيبان حياة مليئة بالحسرة والألم، وبسبب ذلك، قرر قيس أن يطلب ليلي للزواج. ومع ذلك، رفض والدها هذا الزواج بسبب أن قيس كتب العديد من القصائد الغزلية والشعرية حول ليلي وأشهرها، مما دفعها لذلك الرفض.

قصة قيس وليلى

وكانت ليلى وقيس قصة شهيرة وهي أنها بعد أن أحب قيس وليلى بعضهم البعض وكبرت ليلي على هذا الحب،  كان العرب لهم عادات وهي عندما تكبر البنت تحجب عن رؤية الآخرين إلا أن تتزوج، فهذا ما جعل قيس يتذكر ابنة عمه في الصغر وكيف كان يقضي معها الكثير من الوقت وكان له حرية التعبير عن حبه لها.
وبدأ في كتابة أشعاره والعزل بها، فقام بالتقدم لخطبتها بعد أن قام بجمع المهر الخاص بها والذي كان يتم تقديمه في هذا العصر وهو خمسين ناقة حمراء، وبالرغم من كل هذا رفض أهلها تزوج قيس ليلى بعد أن انتشرت أشعار الحب الذي كان يقولها في كل مكان، والذي اعتبارها أهل ليلي نوع من العار والفضيحة.

في الروايات الأخرى يقال أن السبب الذي أدى إلى رفض زواج ليلى من قيس هو وجود خلاف بين والد ليلى ووالد قيس، والذي كان سببه المال أو الميراث بينهما. فكان والد ليلى يعتقد أن والد قيس قد قام بسرقة أمواله، وهذا الأمر جعله في حاجة ماسة إلى الكثير من المال لإعالة أهله، حيث كان بلا مال في تلك الفترة. ولكن العديد من المؤرخين أكدوا صحة الرواية الأخرى، والتي تقول أنه بعد رفض والد ليلى لقيس، انتشرت قصتهما وأطلق عليه لقب “مجنون ليلى.” وذلك لأن العرب كانوا يمارسون عادة قديمة، وهي ألا يتزوج الشخص المعشوق من معشوقته التي تشتهر بها في الشعر وتغنى بها، وهذا ما يعرف تاريخيا بالتشبي.

بعد أن رفض والدها، قرر قيس الذهاب إلى البادية وقضاء وقت طويل في الصحارى، يتغنى بحبيبته ليلى في الليالي، وهو يعتبر حظهم العاثر، خاصة بعد أن علم بأنها ستتزوج شخصا آخر وتبتعد نهائيا عنه. بعد أن وافقت عائلتها على زواجهما، أصيب قيس بجنون، وقرر العيش في البراري وابتعاده عن البشر وعدم التواصل معهم. كان يراها أحيانا في الشام وأحيانا في الحجاز وفي منطقة نجد والعديد من الأماكن الأخرى. تم رواية العديد من القصص حول شعر قيس، ومنها قصة اللقاء بزوجة ليلي بعد زواجها منه وجلوسه معها، حيث قال لها

بربّك هل ضممتَ إليكَ ليلى

قُبيل الصّبح أو قبّلتَ فاها

وهل رفّت عليكَ قُرون ليلى

رفيف الأقحوانة في نداها

كأنّ قرنفلًا وسحيقَ مِسكٍ

وصوبَ الغانياتِ شمَلْنَ فاها

فكان رد زوج ليلي له : عندما حلف لي الله، قيّس قام بإمساك النار بيديه ولم يتركها حتى سقط مغشيًا عليه.

تعلَقت ليلى وهي ذات تمائم

ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا

لم نكبر حتى الآن، ولم تكبر الأبقار

شعر ليلى العامرية

بعد زواجها من ورد بن محمد العقيلي، انتقلت ليلى إلى الطائف، ولكن قلبها بقي يعانق حبيبها قيس، وهذا ما جعلها شاعرة عظيمة كتبت العديد من الأبيات التي أكدت على مدى عشقها لقيس، ومن بين أجمل هذه الأبياتهي:

لم يكن المجنون في حالة

إلا وقد كنت كما كانا

ومن أشعارها قولها :

نفسي فداؤك لو نفسي ملكت إذا

ما كان غيرك يجزيها ويرضيها

على الرغم من كتابتها العديد من القصائد التي تتحدث عن حب قيس، إلا أنها لم توضح هذا الحب بشكل صريح، بل كتمته وعبرت عنه بشكل غير واضح، نظرًا لأنها متزوجة وتخشى على سمعتها وسمعة زوجها، وقالت:

باح مجنون عامر بهواه

وكتمت الهوى فمت بوجدي

زوج ليلى العامرية

وكان زوج ليلى العامرية هو ورد بن محمد العُقيلي من ثقيف، حيث قد لليلي مهر بقيمة عشراً من الإبل مع راعيها، الأمر الذي جعل والد ليلى يوافق على الزواج منها بورد، وتزوجت ليلى في هذا الوقت غصب عنها، وبعد الزواج رحلت معه للطائف، وبقي قيس يعاني من الألم والوجع وألم الفراق، فتبعد عن الكثير من الناس وظل يكلم نفسه ويعيش في البرية إلى أن مات وعثر عليه بين الصخور في الصحراء.

وفاة ليلى العامرية

هناك الكثير من الروايات التي لم تحدد من قبل من قام بزيارة ليلى قبل القيس في العامرية، ولكن معظمها أكد أن ليلى توفيت قبل القيس بسبب مرض ليلي الذي تفاقم عليها، حيث قامت عائلتها بنقلها إلى العراق لتلقي العلاج، وبعد ذلك عرف قيس بوفاتها وقام بتأليف الشعر عنها، حيث قال:

يقولون ليلى في العراق مريضة

فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

يدل هذا على أن الفتاة كانت مريضة وتوفيت قبل قيس، ولا يوجد تاريخ مؤكد يؤكد ذلك، وبذلك ينتهي قصة حبهما بموتهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى