قصة عن الأم
كنت أعيش أنا وأمي في منزل صغير، وكانت أمي تملك عينا واحدة فقط بعد أن فقدت الأخرى في حادث. كانت تلك العين تسبب لي الإحراج أمام زملائي، حيث كانت تعمل كطاهية في نفس المدرسة التي أدرس بها لتوفير المال لنا. في يوم من الأيام، قررت أمي أن تزورني في الصف الخامس الابتدائي. عندما رأوها زملائي، خافوا منها وتسبب ذلك في مزيد من الإحراج والخجل لي. شعرت بالغضب ورفضت أن أحتضنها عندما فتحت ذراعيها لي. كنت أنظر إليها بعينين مليئتين بالكراهية، وكنت غير قادر على التصرف بشكل مناسب لمواجهة سخرية زملائي منها.
سخرية وتطاول:
في اليوم التالي، حدث شيء لم أكن أتوقعه حقا، حيث ناداني زميلي وقال لي: `لماذا أمك لديها عين واحدة فقط؟` ثم ابتسم وابتسم زملائي الآخرون من ورائه، مما جعلني أشعر بالكراهية تجاهها. كيف يمكنها أن تفعل هذا بي؟ كيف تجعلني مضحكا بالنسبة لهم؟ سارعت إلى المنزل وأنا مشحون بالكراهية، وعندما فتحت الباب، صرخت في وجهها قائلا: `لماذا لا تموتين؟ لقد تعبت منك، جعلتني مضحكا أمام الجميع.` ثم بدأت أبكي، والغريب في الأمر أن أمي لم تنطق بكلمة واحدة فقط، بل استمعت لي وأرادت أن تحتضنني، ولكني رفضت كالعادة. بعد أن هدأت، جلست أفكر فيما قلته لأمي وكيف يمكنني أن أفعل ذلك، ولقد ألقيت اللوم على نفسي على ما قلته أمامها، ومع ذلك، لا زلت غاضبا منها ولا أستطيع أن أسامحها على تصرفها.
السفر إلى الخارج:
مضت الأيام هكذا ولم يحدث أن تحدثت أنا وأمي عن ما حدث في ذلك اليوم، لكنه لا يزال محفورا في ذاكرتي. كنت متميزا في دراستي، وعملت بجد لنجاحي وحصولي على درجات نهائية جيدة في العديد من المواد. وكانت المدرسة تكافئني وتقدم لي منحة دراسية للسفر إلى بلد آخر. سافرت فعلا وتركتها وحيدة، ولكن الغريب أن أمي لم تعارض سفري أو تقف أمام رغباتي، بل ودعتني وهي تبتسم لنجاحي. وبعد تخرجي من الجامعة، حصلت على وظيفة رائعة واخترت زوجة وشريكة في الحياة وأنجبت منها ابنا وابنة. أتذكر أمي بين الحين والآخر، لكنني لم أكن أرغب في التواصل معها حتى لا تسبب لي إحراجا أمام زوجتي وأطفالي. عشت سعيدا معهم ونسيتها تماما.
زيارة مفاجأة:
وفي أحد الأيام قررت أمي أن تزورني فقد اشتاقت لرؤيتي ولم تكن تعرف عني من الأخبار سوى القليل عن طريق زملائي الذي كانوا يتراسلون معي فأخذت منهم عنواني وقررت زيارتي لتراني وترى أحفادها وعندما فتحت الباب ووجدتها أمامي تملكتني الدهشة ودعوتها للداخل، ولا أعرف ماذا أفعل ولكن فجأة صرخ أطفالي وانصرفوا إلى الداخل عندما حاولت احتضانهم، ولم أتمالك حينها أعصابي حتى قلت لها: كيف تجرأت وفعلتي بي ذلك ثانيةً وجعلت أصرخ بها وأقول انصرفي عن وجهي أخرجي حالًا، وقد فعلت وكل ما قالته لي: لا تغضب يبدوا أني أخطأت العنوان وانصرفت على الفور.
دعوة لم الشمل:
وفي يوم ما، وصلتني دعوة من المدرسة للتجمع، رأيت فيها فرصة عظيمة لمقابلة زملائي الصغار، فأخبرت زوجتي أن هناك رحلة عمل، وفورا حجزت تذكرة الطائرة وعدت إلى الوطن بشوق وحنين لأيام الدراسة. وبعد انتهاء حفلة المدرسة، أحست بفضول لرؤية البيت الذي نشأت فيه ورؤية أمي. عندما ذهبت إلى هناك، أخبرني الجيران أن أمي توفيت منذ فترة وتركت لي هذه الرسالة. فتحت الرسالة وقرأتها ووجدتها تقول
يا ابني الحبيب، طوال الوقت كنت في تفكيري، لم تغب عن خيالي لحظة واحدة. أشعر بالأسف الشديد لأنني جئت إليك وأذعبت أولادك، ولكنني كنت مشتاقة جدا لرؤيتك. أدرك أنه من الممكن ألا أراك مرة أخرى، ولذلك كتبت لك هذه الرسالة. أشعر بالأسف الشديد لأنني كنت سببا في الألم والإحراج بالنسبة لك، ولكن لا تغضب مني. عندما كنت صغيرا، تعرضت لحادث أدى إلى فقدان عينك، وكنت في حالة يرثى لها وشعرت بالألم الشديد عليك في ذلك الوقت. قررت عدم السماح لك بأن تنمو وأنت تمتلك عينا واحدة، لذلك قمت بالتبرع بعيني لك. لم يكن لدي أثمن منها لأعوضك عن فقدان عينك. يا ابني، كنت دائما فخورة بالقدرة التي تمتلكها لرؤية العالم من خلال عيني، ولم أندم لحظة على فقداني لها. يا ابني، أحببتك دائما، ولم أغضب منك يوما واحدا. أحبك جدا.
تركت الرسالة وجلست أبكي وتذكرت ما فعلته بها طوال السنوات التي عاقبتها فيها على حسن سلوكها وتضحياتها من أجلي، فقد كنت الابن المتعثر وهي الأم المحبة، ولكن ما فائدة الندم؟