ادب

قصة عكرمة الفياض جابر عثرات الكرام

جابر عثرات الكرام هي قصة تتحدث عن المروءة والكرم والجود، وتدور أحداثها بين شخصين هما عكرمة الفياض وخزيمة بن بشر، وتم ذكرها في كتاب “المستجاد من فعلات الأجياد” للقاضي التنوخي البصري أبو علي المتوفى في عام 384 هـ،

محنة خزيمة بن بشر:
خزيمة بن بشر هو أحد الرجال الذين عاشوا في أيام سليمان ابن عبدالملك وكان يتصف ب الكرم والمرؤة، فلم يرد سائلًا قط، ولا محتاج، ولكن تعرض لمحنة كبيرة بأن نفد ماله، وكثرت ديونه، فلما عرف إخوانه ما حل به، واسوه فترة ثم تركوه ولم يسألوا عليه، حتى حزن وضاقت نفسه، فأخبر زوجته بأنه لا يستطيع أن يعيش على نظرات الشفقة التي تحيط به من كل جانب، فأغلق عليه بابه وعمد على ألا يكلم أحد.

كان عكرمة الربعي، الذي كان حاكماً للجزيرة في ذلك الوقت، يعرف بـ”عكرمة الفياض” بسبب كرمه وجودته العالية. وفي إحدى المرات، عندما تم ذكر اسم الشاعر الجاهلي خزيمة بن بشر، سأله عكرمة عن حاله، وأخبروه بما حدث له وما وصل إليه.

كريم يجود على كريم:
حينما علم عكرمة أمر بشر بن خزيمة أمر بأربعة ألاف دينار أن توضع في كيس واحد، وانتظر حتى حل الليل، فأخرج دابته دون أن يشعر به أحد، واتجه إلى بيت خزيمة حتى وصله، فدق الباب فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس وقال له: أصلح به شأنك، فقال له خزيمة: من أنت جعلت فداك؟ قال عكرمة، لو كنت أريدك أن تعرفني لما جئتك في هذا الوقت، قال خزيمة: لن أقبل به حتى تخبرني، قال عكرمة: أنا جابر عثرات الكرام، ثم انطلق في طريقه عائدًا.

عكرمة وشك زوجته فيه:
عندما عاد عكرمة إلى منزله في هذا الوقت المتأخر، اعتقدت زوجته أنه كان يخونها، فصفعت وجهها وقالت له: أخذت بي الانتقام يا عكرمة. قال لها: هل ستحتفظين بسري؟، أجابت: نعم. ثم أخبرها عن ما حدث مع خزيمة، فهدأت ووعدته بعدم الكشف عنه لأحد، بينما كان خزيمة يحصي الدنانير مع زوجته وقلبه يكاد يتوقف من السعادة، ولم يصدق أن هناك من يرقب حظه، واستعد على الفور للذهاب إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك.

تبديل الحال بين خزيمة وعكرمة:
ذهب خزيمة إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، ولما حضر بين يديه سأله: ما أخرك عنا، فحكى خزيمة ما كان من أمر زائر الليل وكيف أنه أنقذه من عثرته المالية، فقال له الملك: هل تعرفه؟ قال خزيمة: لا يا مولاي كان متنكرًا وما سمعت منه، إلا أنه جابر عثرات الكرام، فتلهف سليمان بن عبد الملك لمعرفة هذا الكريم ذو المروءة والجود.

ثم أُمِرَ خزيمة بتولي أمر الجزيرة، وعُهِّدَ عكرمة الفياض بالعمل تحت إشرافه. وعندما وصل إلى الجزيرة، نزل في دار الإمارة، وأُمِرَ بمحاسبة عكرمة، وتبين أنه مدين بمبالغ كبيرة، فطلب خزيمة منه سداد الديون، إلا أن عكرمة لم يكن لديه المال للسداد، فأمر خزيمة بسجنه،

الكشف عن جابر عثرات الكرام:
لما طال حبس عكرمة شهر، حزنت زوجته، فدعت جارية لها وقالت: أود منك أن تنتقلي إلى الوالي خزيمة وتطلبي أن تتحدثي معه بدون وجود أي شخص آخر، وعندما تكوني قد فعلت ذلك، قولي له: هل هذا هو جزاء جابر عثرات الكرام؟.” بعد ذلك، سمعت الجارية واستجاب خزيمة لما قالته، وأمرها بجلب سراج وذهبا معا إلى سجن عكرمة، وعندما دخلا، وجداه هزيلا وضعيفا بسبب الاعتقال. وعندما دخل خزيمة إلى السجن، قدم التحية لعكرمة وقال له: كريم فعلك وسوء مكافأتي. فرد عكرمة قائلا: غفر الله لنا ولك. ثم خرجا معا حتى وصل عكرمة إلى منزله وقام بتغيير ملابسه، واعتذرت الجارية لزوجته.

وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
بعد ذلك انطلقا إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، وما أن وصلا هناك، حتى مثلا بين يدي الملك، وهنا قال الملك: ما الذي أحضركما على عجل بدون استدعاء؟ فقال خزيمة: خير يا أمير المؤمنين، لقد ظفرت بجابر عثرات الكرام، قال: ومن هو؟، قال: عكرمة الفياض يا مولاي، قال له يا عكرمة: كان خيرك له، وبالاً عليك، فأمر أن تسد جميع ديونه وولاه على أرمينية و أذربيجان، وظل خزيمة بن بشر والي على الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى