قصة خادمة محمد بن أبي الفرج الموصلي
محمد بن أبي الفرج الموصلي قدم إلى بغداد وعمل في النظامية وقام بتنظيمها، وكان لديه معرفة بالقراءات، وألف كتابا حول مخارج الحروف وسند الحديث، وكتب قصائد رقيقة. تدور الحكاية بينه وبين خادمته التي اشتراها لتكون خادمته وتعتني به، إلا أنه تفاجأ بأنها أعطته درسا لا يقل أهمية عن الدروس التي كان يهتم بها طوال حياته، إذ كان الدرس عن التقوى والزهد وحسن الخاتم.
جارية في السوق:
يقول محمد بن أبي الفرج احتجت إلى خادمة في رمضان، لتصنع لي الطعام، فرأيت في السوق جارية مصفرة اللون، نحيلة الجسم، يابسة الجلد فرضيت أن تكون لي خادمة رحمة بها، وأتيت بها إلى المنزل وقلت لها خذي وعاء وامضي معي إلى السوق لنشتري حوائج رمضان، فتعجبت وقالت: يا سيدي أنا كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، فعلمت أنها من الصالحات وكانت تقوم الليل كله في رمضان.
فلمّا كانت ليلة العيد قلت لها: امضي بنا إلى السوق لنشتري حوائج العيد، فقالت: يا سيدي أي حوائج العيد تريد؟!! حوائج العوام أم حوائج الخواص؟!! فقلت لها: صفي لي حوائج كل فقالت : يا سيدي حوائج العوام الطعام المعهود، وأما حوائج الخواص فهي الاعتزال عن الخلق والتفريد، والتفرغ للخدمة والتجريد والتقرب بالطاعة إلى الله والتزام ذل العبيد، فقلت لها : إنما أريد حوائج الطعام.
فقالت : أي طعام تعني؟!! طعام الأجسام أم طعام القلوب؟!! فقلت لها: صفيهما لي، فقالت: أما طعام الأجساد فهو القوت المعتاد، وأما طعام القلوب فترك الذنوب وإصلاح العيوب، والتمتع بمشاهدة المحبوب والرضا بحصول المطلوب، وحوائجه الخشوع والتقوى وترك الكِبر والدعوى والرجوع إلى الله والتوكل عليه في السر والنجوى، ثم قامت تصلي في خشوع وخضوع وما أن انتهت من صلاتها حتى وافاها الأجل، رحمة الله عليها .
حسن الخاتمة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله`، فقالوا: كيف يستعمله؟ قال: `يوفقه لعمل صالح قبل موته` [رواه الإمام أحمد والترمذي]. وقد وفقت هذه الجارية رغم الرق الذي تعانيه للطاعة، ولم تتظاهر أو تتذمر من حياتها، ولم تدعي أن الله ظلمها بوضعها بهذا الوضع، بل استخدمته بأفضل استخدام وأطاعت ربها وحفظت عفتها وخدمت سيدها وساعدته في الطاعة وحب الله في كل ما هو مأمول.
تعلمنا من هذه القصة درسا مهما في الحياة، وهو أن نستخدم الابتلاءات لتقوية قدراتنا ونحقق النجاح، وأن نحافظ على إيجابية الأفكار ونتغلب على الصعوبات، ورغم صعوبة المشوار فإن النجاح يحمل معه حلاوة تجعلنا ننسى الألم والضجر وتشفي الجروح، وقد اتبعت الجارية هذا المنهج في حياتها واختارت الجنة، ولذلك جزاها الله خير الجزاء ورزقها الجنة بغير حساب أو عذاب.