قصة توبة الصحابي ماعز بن مالك
يقترف الإنسان العديد من الأخطاء الجسيمة، ويقع في أكبر الكبائر، ولكنه لا يهتم بما اقترفه، ولا يشعر بالندم على فعله، أو يفكر في التوبة من هذا الذنب، حتى تأخذه الحياة في تيهها ويلقى الله على ذنبه، وتكون النتيجة خسارة كبيرة في الآخرة، حيث لا وقت للتوبة، ولا للرجوع، والقصة تتحدث عن صحابي جليل، ربما خدعه الشيطان حتى وقع في الذنب، لكنه أصر على أن لا يلقى ربه إلا بعد أن تخلص من هذا الذنب.
ماعز بن مالك الأسلمي
عريب بن مالك، المعروف أيضا بـماعز بن مالك الأسلمي، كان صحابيا جليلا. في إحدى الأيام، نجح الشيطان في إغواء ماعز وأدخله في خطيئة الزنا. ولكنه شعر بندم شديد على ما فعله، وأصابه الحزن بسبب هذا الخطيئة، وكان يتمنى لو يمكنه العودة في الزمان لكي لا يقع في هذا الفعل. رأى أحد أصدقائه الذي يدعى هزال حالة ماعز من الندم والرغبة الشديدة في التوبة، فنصحه بالذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف له بما فعله.
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذهب ماعز إلى الرسول الكريم واعترف بذنبه، وطلب منه أن يقوم بتطهيره من هذا الذنب الذي أثقل كاهله، فبعد أن استمع الرسول الكريم إلى كلامه، أمر ماعز بالذهاب والاستغفار من فعله. فذهب ماعز ولكنه عاد مرة أخرى إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه، وطلب منه أن يطهره من ذنبه، لكن الرسول الكريم أمره بالاستغفار من الذنب مرة أخرى. ولكن ماعز عاد إلى الرسول للمرة الثالثة، طالبا منه بإلحاح شديد أن يطهره مما فعل، فأصر النبي على أمره بالذهاب والاستغفار من فعله، حتى عاد ماعز إلى الرسول للمرة الرابعة، طالبا منه التطهير.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
عندما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمر ماعز بن مالك في الطلب منه لتطهير نفسه من الخطيئة، وبالرغم من محاولاته -صلى الله عليه وسلم- لإنقاذه من العقوبة، سأله ماعز عن الذنب الذي يريد تطهير نفسه منه، فأجابه ماعز بأنه يريد تطهير نفسه من الزنا، وبعد ذلك سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناس عن صحة عقل ماعز وهل هو مجنون أم لا، ولكن رد الناس بأن عقله سليم وخال من الجنون، وعندها سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- هل شربت الخمر؟ فقام أحد الحاضرين وشم رائحة فم ماعز ليرى هل كان قد شرب الخمر أم لا، ولكنه لم يشم أي رائحة للخمر، وعندها سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ماعز إن كان قد زنى، فأجابه ماعز بالإيجاب، ورحم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ماعز وقدم له العفو، ولكن ماعز أصر على الإقرار بذنبه والتمس العقوبة، فأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإقامة حد الله عليه وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، وذلك بعد محاولاته -صلى الله عليه وسلم- لإنقاذه.
الستر أفضل
وهو ما حث عليه النبي صلى الله عليه حين قال له: « والله يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به» وكان في قوله صلى الله عليه وسلم هذا، ليس فقط رسالة لهزال وإنما رسالة لصحابته رضوان الله عليهم، أن يكونوا عونًا لبعضهم البعض نحو التوبة وأن يكونوا سِترًا لبعضهم البعض، وليسوا جلادين، فلو أن هزال ستر على صاحبه، وساعده على العودة إلى التوبة والاستغفار، لما كان سببًا في موت ماعز بن مالك رضي الله عنه.