قصة النجاشي مع وفد قريش
قصة الهجرة إلى الحبشة
عندما كانت الإيذاءات التي تعرض لها المسلمون في مكة المكرمة من الكفار والمشركين تشتد، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، وذلك بسبب عدة أسباب. أحد هذه الأسباب هو أن أهل الحبشة من أهل الكتاب، ويوجد فيها ملك يدعى “أصحمة النجاشي” الذي يعتبر عادلا ولا يظلم أحدا. كما أن الحبشة بعيدة عن مكة المكرمة، مما يوفر الحماية والأمان للمسلمين، وتمكنهم من الاستقلال السياسي الكامل.
لذلك، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنين بالهجرة إلى الحبشة، التي ستصبح مركزا جديدا للدعوة الإسلامية. وفي حين كانت الطغيان والشركة يكيدون للحاق بهم حتى الحبشة، كان عمرو بن العاص، قبل إسلامه وإيمانه بالله، يسعى لتسليم المسلمين للنجاشي. وحدثت مناظرة بين الفريقين أمام الملك النجاشي، حيث كان عمرو بن العاص في جهة وجعفر بن أبي طال في الجهة الأخرى.
قصة النجاشي باختصار
أصحمة بن أبجر هو ملك الحبشة وإمبراطورها. كان نجاشيا أكسوما وحكم الحبشة أثناء بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله تعالى إلى الناس. ووفقا للمصادر التاريخية، بدأ أصحمة الملك النجاشي حكم البلاد في سن الثامنة بعد وفاة عمه في صاعقة. خلال فترة حكمه، نشر السلام والعدل في البلاد، وانتشرت سمعته وشهرته في كل مكان.
وقد استضاف نجاشي الحبشة المؤمنين بالله الهاربين من اضطهاد وظلم قريش الكافرة وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، حيث عاشوا في بلاد النجاشي لبعض الوقت وتمتعوا بمعاملة حسنة واحترام كبير منه، ويجب أن نذكر أن أصحمة نجاشي الحبشة هو الوحيد الذي صلى عليه رسول الله صلاة الغائب بعد وفاته؛ فقد قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه في المدينة، فصفوا خلفه وصلى عليه وكبروا أربع تكبيرات).
قصة النجاشي ملك الحبشة بين المسلمين وكفار قريش
من أهم أحداث قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة هي محاولة قوم قريش استعادة المهاجرين، حيث حاربت قريش الإسلام وعذبت أتباعه، ولم تتوقف عندما هرب العشرات من المسلمين منها، لذلك أرسلت عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص إلى الحبشة، وحملتهما بالهدايا التي استطاعت أن تعطيهما. وفي ذلك الوقت كان عمرو من أشد أعداء الإسلام، فقد قام بمحاولات ماكرة لإقناع كل قديس وبطريرك من محيط النجاشي بتقديم هدايا لكل منهما، وأخبرهم عن أمر المسلمين الذين استوطنوا في أرض الحبشة، وهم ينتهكون دين قومهم وأهلهم، وطلب منهم أن يدعموه في حالة نشوب نقاش مع ملكهم النجاش.
وفيما يتعلق بالحوار الذي جرى بين النجاشي والمسلمين والكفار من قريش، ذهب عمرو إلى النجاشي وعرض عليه المسألة، وتمكن من جمع تأييد الحضور في المجلس. ومع ذلك، كان النجاشي يعانق الأمر ولم يكن هناك سوى تباين في وجهات النظر، حيث طالب بمقابلة المسلمين ليستمع إلى الجانبين من القضية. وقد تم ذلك، وفي هذا السياق، قدمت للمسلمين الوكالة لـ جعفر بن أبي طالب ليخاطب نيابة عنهم في المجلس ويرد على الاتهامات التي وجهت لهم من قبل وفد قريش، الذي جمع كل أدلته وحججه بشأن قضية النبي عيسى عليه السلام، وموقف القرآن منها.
حيث بدأ جعفر قوله بالآتي: (يا ملك، كنا مجتمعا في عصر الجهلية، نعبد الأصنام ونأكل اللحوم الميتة ونرتكب المنكرات وننقطع الأرحام ونسوء التعامل والجيرة، يأكل القوي منا الضعيف، وكنا على هذا النحو حتى بعث الله إلينا رسولا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته، دعانا لعبادة الله وحده وترك ما كنا نعبده نحن وآباؤنا من الأحجار والأصنام، وأمرنا بالصدق في الكلام والأمانة وصلة الرحم والإحسان في الجيرة والامتناع عن المحرمات والدماء، ونهانا عن الفواحش والكذب وأخذ أموال اليتامى والتشهير بالمحصنات، وأمرنا بعبادة الله وحده بدون شرك، وأمرنا بأداء الصلاة والزكاة والصيام).
وبذلك فكان لذكاء جعفر وصدق إيمانه وطلاقته وحسن نقاشه رد كيد أعداء المسلمين عنهم، حيث شرح إلى النجاشي تعاليم الإسلام، وما خلفه من أثر على حياتهم التي كانت قبله تقوم على مبادئ وأسس تدعم استعباد الضعيف وسيطرة القوي؛ مستكملاً حديثه قائلاً أنّ الرسول الحبيب قد أمرهم أن يهاجروا إلى هذه الأرض؛ حيث إن لها ملكًا لا يظلم أحد عنده، فسأله النجاشي أن يتلوا شيئًا عليه مما ورد في القرآن فقرأ جعفر عليه ما تيسر، ومما سمع منه النجاشي سورة مريم التي لان لها قلبه، ومن هنا باءت محاولات قريش بالفشل؛ إذ رفض النجاشي تسليم المسلمين لهم.
عودة المسلمين من الحبشة إلى المدينة
جاءت نهاية قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة خلال عودة المؤمنين إلى المدينة المنورة في ظل استقرار أمرهم عقب صلح الحديبية بالعام السادس، ولكن ذُكر في بعض الروايات حول عودة مجموعة من الصحابة قبل ذلك الوقت، وقد ورد أنّ بعضهم رجعوا إلى مكة بالعام الثالث عشر من تاريخ البعثة، ثم هاجروا بصحبة النبي إلى المدينة المنورة، ومنهم من رجع وقت علم بهجرة الرسول للمدينة، وظل عدد من المؤمنين بالحبشة تحت قيادة جعفر؛ حيث ظلوا بالعودة في مجموعات حتى رجعت آخر دفعة منهم بالعام السابع وقيل في نهايات العام السادس من الهجرة.
كيف مات النجاشي
ثبت في السنة النبوية بالأدلة الصحيحة إسلام الملك أصحمة النجاشي، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَومِ الذي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بهِمْ إلى المُصَلَّى، فَصَفَّ بهِمْ، وكَبَّرَ عليه أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ)، كما أن ابن حجر جزم بكتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) حول إسلام نجاشي الحبشة، وقد استدل النووي بما سبق ذكره من حديث عن أبي هريرة حول مشروعية صلاة الغائب بالإسلام، حيث أنه وقت موت النجاشي نعاه الرسول، وصلّى عليه أربع تكبيرات صلاة الغائب.
توفي الكملك نجاشي الحبشة على الأرجح في ستمائة وثلاثون من العصر الغريغوري، وكان نجاشي الحبشة أول ملك عجمي يدخل الإسلام، وذكره ابن حجر بأنه كان يدعى أصحمة بن أبحر النجاشي، وكان اسمه عطية باللغة العربية، وأطلق عليه لقب النجاشي، وأسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يهاجر إليه، وظل مواليا للمسلمين ومفيدا، وقصته مشهورة في المغازي بسبب حسن تعامله مع المسلمين الذين هاجروا إليه في بداية الإسلام.