قصة النجاح المغتبط كامله
يمكن للإنسان استخلاص العبر والدروس من القصص التي يعيشها أو يسمع عنها أو يقرأها، ومن بين تلك القصص الدينية التي رويت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يقدمون أهم دروس الحياة؛ مثل كيف يعيش الإنسان ويتقدم في دينه وأخلاقه، ليصعد إلى أعلى المراتب عند ربه وينشر الإسلام بالمحبة والعلم. ومن بين هذه القصص، قصة النجاح المشرفة التي تحكي عن النجاح الذي حققه مصعب بن عمير رضي الله عنه في نشر الإسلام، والتي وردت في كتاب الرحيق المختوم.
قصة النجاح المغتبط
سفير المسلمين في يثرب بعد العقبة الأولى
بعد بيعة العقبة الأولى وانتهاء موسم الحج، قام النبي صلى الله عليه وسلم بإرسال أول سفير إلى يثرب مع المبايعين، بهدف تعليمهم أمور الدين الإسلامي ونشر الإسلام بين الذين كانوا لا يزالون كفارا. تم اختيار الصحابي مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه لهذه المهمة، وقام مصعب بأداء مهمته بحماس وثبات، حيث نزل في منطقة أسعد بن زرارة وعملا الاثنان على نشر الإسلام وتعليمه بين أهل يثرب.
مصعب، المقرئ، حقق نجاحا كبيرا في مهمته. يذكر أنه خرج يوما مع أسعد بن زرارة في زيارة دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر. جلس الاثنان على بئر يعرف باسم `بئر مرق`، وتجمع حولهما مجموعة من رجال المسلمين. كان أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، من سادة قومهما بني عبد الأشهل، معهم في ذلك اليوم وكانوا آنذاك مشركين. عندما علما بانتشار الدين الإسلامي على يد مصعب وأسعد، تحدث سعد إلى أسيد قائلا: `اذهب إلى هؤلاء اللذين يحاولون إضعاف ضعفائنا، فانصحهم وأخبرهم بألا يزوروا دارنا. فأسعد بن زرارة هو ابن خالتي، وإلا لكنت قد كفيتك هذا.
إسلام أسيد بن حضير
وفعلا، حمل أسيد حربته وذهب إليهما، وعندما رآه أسعد نظر إلى مصعب وقال: `هذا سيد قومه قد آتاكم، فاصدقوا الله فيه.` ثم تكلم مصعب قائلا: `إذا جلس، سأكلمه.` ولكن أسيد وقف وقال: `ما الذي جلبكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا.. انسحبا إن كانت لديكما حاجة.` فقال مصعب له: `أو تجلس وتستمع، فإذا رضيت بأمر قبلته، وإذا كرهته، فلتكف عنك ما تكره.` فأجابه أسيد قائلا: `قد نصفت.` ثم جلس واستمع إلى حديث مصعب عن الإسلام وتلاوته للقرآن.
بعد أن استمع أسيد إلى مصعب قال له : “فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، في إشراقه وتهلله” ، ثم عاد ليثني على الإسلام بقوله : “ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ ، فأجابه كل من مصعب وأسعد بقولهما : “تغتسل وتطهر ثيابك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين” ، وبالفعل اغتسل وقام بتطهير ثوبه ، ثم نطق بالشهادتين وصلى ركعتين ، وقام بإخبارهما عن أمر سعد بن معاذ بقوله : “إن ورائي رجلًا ؛ إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرشده إليكما الآن ” ، ثم حمل حربته عائدًا إلى سعد بن معاذ عند قومه بينما كانوا جلوس في ناديهم.
حينما رآه سعد قال لقومه : “أحلف بالله لقد جائكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم” ، وحينما وقف أسيد سأله سعد : “ما فعلت” ، فأجابه : “كلمت الرجلين ، فوالله ما رأيت بهما بأسًا ، وقد نهيتهما ؛ فقالا : نفعل ما أحببت ، وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا ليقتلوا أسعد بن زرارة ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ؛ ليخفروك” ، حينها قام سعد معلنًا غضبه ، ثم أخذ حربته خارجًا إليهما ، وحينما وجدهما مطمئنين علم أن أسيد كان يريد منه أن يستمع إليهما.
إسلام سعد بن معاذ وقومه
وقف سعد قائلًا إلى أسعد بن زرارة متشتمًا : والله يا أبا أمامة لولا القرابة بيننا، ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره. وأسعد قد قال لمصعب: جاءك سيد من وراءه قومه، إن يتبعك لن يتخلف عنك أحد منهم. وتحدث مصعب إلى سعد بن معاذ قائلا: أتريد أن تجلس وتستمع؟ إن كنت ترضى بأمر فقد قبلته، وإن كنت تكرهه، فعزلنا عنك ما تكره. فأجابه سعد قائلا: قد أنصفت، وجلس ليستمع إلى القرآن وما قاله عن الإسلام. حينها قال سعد: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله. ثم سأل قائلا: كيف تصنعون إذا أسلمتم؟ وجاءه الجواب: تتطهرون وتغتسلون ثيابكم، ثم تشهدون بالحق، ثم تصلون ركعتين.
دخل سعد بن معاذ الإسلام وفعل ما قيل له ، ثم حمل حربته مقبلًا إلى نادي قومه ، وحينما نظروا إليه قالوا : “نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به” ، وحينما وقف عليهم قال لهم : “يا بني الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم؟” ، فأجابوه بقولهم : “سيدنا وأفضلنا رأيًا وأيمننا نقيبة” ، فقال لهم : “فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله” ، وقد كان بالفعل ما أراد حيث أنه ما أمسى منهم رجل أو امرأة إلا أصبحوا جميعًا مسلمين إلا رجل واحد فقط وهو “الأصيرم” الذي تأخر في دخول الإسلام حتى يوم أحد ؛ حيث أعلن إسلامه في ذلك اليوم وقد قاتل وقُتل شهيدًا دون أن يسجد سجدة واحدة لله ، وقد قال عنه الرسول صلّ الله عليه وسلم : “عمل قليلًا وأُجر كثيرًا”.
عودة مصعب بن عمير إلى مكة
كان مصعب يقيم في منزل أسعد بن زرارة وينشر الدعوة، حتى أصبحت جميع بيوت الأنصار تحتوي على مسلمين، باستثناء بيوت بني أمية بن زيد ووائل وخطمة. في تلك البيوت، كان قيس بن الأسلت الشاعر موجودا وكانوا يطيعونه. أرغمهم على التخلي عن الإسلام حتى عام الخندق. قبل موسم الحج التالي، عاد مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى مكة وأخبر النبي بفرحة النصر.