ادب

قصة المسيحي عبودي الطنبورجي

قصة حقيقية عن معماري مسيحي بنى وأصلح فجوة كبيرة في برج المسجد الكبير في الموصل في بداية الأربعينيات. يحكي الموصلي الشهير الحكواتي المعروف بـ `العم مشتاق الدليمي` هذه القصة، مستندا في سرده إلى قصة كتبها الأستاذ أزهر العبيدي. قمت بمحاولة بسيطة لتصوير الأحداث المتطابقة مع القصة، ولكنها لا تصل إلى المستوى الفني والدرامي المطلوب بسبب نقص المواد التسجيلية لدي، حيث أعمل في مكتبي الصغير لتصوير اللقطات باستخدام معدات بسيطة. أتمنى أن تقوم إحدى المؤسسات السينمائية والتلفزيونية العراقية أو أحد قنوات التلفزة المتخصصة بإنتاج عمل درامي عن هذه القصة التاريخية، والتي يضع هذا الفيديو البدائي الخطوط الأولية لها .

نبذة عن شخصية عبودي الطنبورجي

هذه ليست قصة من قصص الخيال العلمي، أو أفلام الكمبيوتر الحديثة، وليست خرافة ترويها الأجداد للأبناء للتسلية، وليست قصة ملفقة عن بطولات وهمية. إنها قصة حقيقية عن بطولة الأجداد، قصة تروي لنا إبداعهم رغم أن الكثيرين منهم لم يتلقوا التعليم، ولم يشاهدوا أفلام السيرك أو الألعاب البهلوانية.

قصة حكاها لنا أحد الأجداد الذين رحلوا تاركين أثراً لا ينسى ، قصة عن بطولة وإبداع بنّاء ماهر قديم، هو واحد من جملة بنائين أمثال : نوري غزالة وفتوحي قاقو وخضر ويوسف العبيدي وعبّو السمعان ونعوم حنا الأسود ويوسف فندقلي واسطيفان عيسى وبهنام جردق. إنه البناء المبدع عبّودي الطنبورجي الذي رمم منارة الحدباء في العقد الثالث من القرن العشرين .

تفاصيل اعمال عبودي الطنبورجي في ترميم منارة الحدباء

وكان أول عمل قام به هو زيارة مكان العمل من داخل المنارة ، فوجد أنّ التصليح يجب أن يتم من الخارج وليس من الداخل ، ونظر إلى المنارة من الخارج ، وارتقى أسطح عدد من البيوت المجاورة لها عدة مرّات، ومن أعلى المنارة درس حالة الرياح واتجاه الشمس والحالة الجوية ، وذرع المسافة بين حوض المنارة والفجوة فوجدها حوالي (20) عشرين ذراعاً . وبدأنا معه في إعداد المستلزمات والمعدات المطلوبة للعملية ، ومنها صندوق خشبي كبير بطول (6) أفوات (قدم) وعرض (3) أفوات وارتفاع (2) فوت ، أحد جوانبه مقعّر، وصنع هذا الوعاء لدى النجار من خشب قوي ومسامير حدادي (ذات رأس كروي حديد) .

وربط الصندوق بثمانية حبال غليظة من زواياه الأربع ، طول الحبل أكثر من (25) ذراعاً ، وجعلنا في كلّ ذراع واحد عقدة . واشترى البناء عبّودي مذراة (مذري الحصاد) وعدداً من الجرار (الشربات) وجص سريع الجفاف (جص شداد) ، وحجارة خرشانة (حجارة من الجص المبني قديماً وتسمى زكّورة أيضاً) .

الفترة التي تم فيها ترميم المنارة ومعلومات عنها

استمر العمل مدة ساعة تقريباً أعاد فيها البنّاء ترميم الفجوة وإكمال النقوش كما كانت بكفاءة عالية ، وعندما أردنا سحب الصندوق رفض البنّاء ذلك قبل أن يأكل لفّة الكباب التي كان قد أعدّها في عبّه (فتحة في الصدر) ليثبت للناس عدم خوفه وتحدّيه للأخطار والصعاب، واستمرّت النساء تزغرد والأطفال تهزج وتصفّق . وانتهت عملية الترميم وسحبنا البناء الشجاع عبّودي الطنبورجي إلى الأعلى.

ورفض أن يستلم أي مبلغ ثمناً لعمله قائلاً: أنا أتقاضى أجرتي من صاحب البيت، لكن المنارة التي أنا أعمل بها هي ملك الله تعالى، لذلك لن أقبل أي مبلغ مالي، وسأدفع المزيد من أجر العمال من جيبي. هذا هو أحد المسيحيين في العراق الذين كانوا دائما يعدون أمثلة في الذكاء والنقاء والدقة والشجاعة والعفة والنزاهة المرتبطة بالإبداع. رحم الله عبودي الطنبورجي وأجزل له الثواب، وكما يريد رب البيت الكريم، سيجد لديه الخير كله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى