قصة المثل ” الحسود لايسود ” واحداثها
معنى الحسد
يصنف الحسد في تصنيف العلماء إلى عدة مراتب، ويمكن تقسيمه إلى أربعة مراتب وهي:
- يتمثل الأمر الأول للحاسد في أن يتمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود دون الاكتراث بأن تنتقل هذه النعمة من المحسود إليه، كتمني فقر الآخرين، وذلك دون أن يعتني بأن يحقق الثراء لنفسه أو يتمنى خسارة عائلة المحسود، بلا رغبة في أن يصبح لديه نفس النعمة، وهؤلاء هم أشرار الخلق، وهذه صفة مذمومة
- المرتبة الثانية هي أن يتمنى الحاسد زوال ما أعطاه الله للمحسود، وهذا يعني أنه يتمنى أن تنتقل هذه النعمة من المحسود إلى الحاسد بحيث يكون الحاسد صاحب هذه النعمة، وهذا يعد أمرا مذموما
- يتمنى الشخص في المرتبة الثالثة أن يحصل على نفس النعمة التي أعطاها الله للآخرين، وإذا لم يحصل عليها، فيرغب في أن تزول هذه النعمة، لأنه يريد أن يكون هو الأفضل دائما، وإن كانت هذه الحالة في المرتبة الأولى فلا يضر الآخرين، أما إذا كانت في المرتبة الثانية فهي تؤدي إلى الإساءة إلى الآخرين، وهي مشابهة للحالة السابقة
- المرتبة الرابعة هي تمني أن يكون للفرد ما لغيره دون الرغبة في زواله، سواء تحققت أم لا، وهذه المرحلة تسمى الغبطة من قبل العلماء. إن كانت هذه الأمنية تتعلق بالحياة الدنيا، فلا شيء فيها، وإذا كانت تتعلق بالآخرة، فهي محبوبة ومندوبة مرجوة، وتعد من التنافس الأخروي المندوح
قصة مثل الحسود لا يسود وأحداثها
تدور القصة في فترة الخلافة العباسية، وتتحدث عن الخليفة المعتصم ووزيره المقرب ورجل مخلص كان قريبًا من الخليفة.
يحكى أن في عهد أحد خلفاء الدولة العباسية، ويُعتقد أنه كان الخليفة المعتصم بالله، كان هناك وزير قريب منه وكان لديه مركز مرموق في مجلس الخليفة.
في يوم ما، دخل رجل إلى قصر الخليفة، وكان فيه مميزات لم تتوفر في أحد الجلساء السابقين للخليفة. وجد فيه الأخلاص والشرف، فاقترب منه واختاره الخليفة المعتصم ليكون من جلسائه ومن الأشخاص المقربين منه. بل وزاد على ذلك، حصل هذا الرجل على مكانة أكبر وأقرب للخليفة من مكانة الوزير نفسه، مما أثار غضب الوزير وحسده تجاه هذا الرجل، وتمنى التخلص منه الذي استولى على مكانة الوزير وأزاحه عن موقعه. ولم يلاحظ الوزير أن الرجل لم يقصد إزاحته ولا الاقتراب من الخليفة بوسائل سيئة، بل اقترب منه بارادته وتواضعه. كان الخليفة هو من قرر ذلك.
جلس الوزير في بيته يفكر ما العمل مع هذا الضيف الثقيل على مكانته لدى الخليفة والتي قد تطول مركزه ووظيفته وهو الوزير ، وبعد طول تفكير استقر الوزير على فكرة خبيثة لم لا يوقع الوزير بين الخليفة وصديقه المخلص المقرب ويتخلص الخليفة بنفسه منه.
كانت أولى خطوات تنفيذ خطته الخبيثة هي الذهاب إلى الملك وإخباره بأن رجله المقرب يتجول في الأسواق وينشر أنه يكره الخليفة المعتصم ويبتعد عنه بسبب رائحته الكريهة التي لا يتحملها أحد، وأنه ينشر هذه الأقاويل بين الجمهور والخاصة، وأن رائحة فمه لا يمكن تحملها حيًّا.
انفعل الخليفة المعتصم وعزم على القيام بإجراء إذا كانت كلمات وزيره صحيحة، ولن يسمح لهذا الرجل بالهروب من تبعاتما قاله عنه، وسوف ينتظر وصول الرجل لتحديد صحة كلام وزيره أما كذبه.
عاد الوزير إلى منزله وأرسل للرجل يطلب منه أن يقوم بزيارة منزله قبل الذهاب إلى قصر الخليفة ويدعوه لوليمة في منزله. وقبل الرجل الدعوة دون معرفة ما يخطط له الوزير في الخفاء لإثارة الخلاف بينه وبين الخليفة. وكانت الوليمة المعدة للرجل مشبعة بالثوم، فتناول الرجل الطعام وشكر الوزير، ثم أراد أن يستعد للمغادرة. لكن الوزير أوقفه وكأنه ينصحه ألا يلتقي بالخليفة ويجعله يشم رائحة الثوم منه، فإن الخليفة لا يكره أي رائحة أكثر من ذلك.
فكر الرجل في عدم الذهاب إلى المعتصم في يومه حتى تزول الرائحة، ولكن الوزير نصحه بالذهاب مع الحرص على عدم إزعاج الملك برائحته، وأمره بوضع يده على فمه لتجنب انتشارها.
دخل الرجل إلى قصر الخليفة ولم يجد بديلاً سوى وضع يده على فمه خشية ظهور رائحة الثوم، وعندما رأاه الملك بهذا الحال، اعتقد أن الرجل يفعل ذلك لكراهية رائحة ثومه، وظن أن وزيره الصادق، وقرر عقاب الرجل بأشد العقوبات، وهي قطع رأسه.
فكتب الخليفة المعتصم بالله رسالة إلى أحد رجاله العاملين تحت إمارته، يطلب فيها فصل رأس حامل الرسالة عن جسده والاحتفاظ بالأمر في سرية تامة دون إخبار أحد. ثم قدم الخليفة الرسالة للرجل وطلب منه توصيلها إلى العامل. أخذ الرجل الرسالة وسارع لتنفيذ طلب الخليفة، لكن وقفه الوزير وهو في طريقه وقرر تنفيذ طلب الخليفة بنفسه لكي يحصل على رضاه بدلا من الرجل. استقبل الوزير الرجل وعرض عليه أن يتولى هو توصيل الرسالة بدلا منه وأن يتخلص من عبء السفر، وليس فقط ذلك بل سيمنحه ألف دينار أيضا. وافق الرجل فورا معتمدا على ثقته بالوزير وحكمته.
ذهب الوزير إلى العامل الذي أرسله الخليفة إليه، وعندما فتح الرسالة وقرأها، نهض وأمر بتنفيذ ما فيها، وكانت درسًا لمن يحسد غيره.
معنى الحسود لا يسود
هذا المثل معناه أن الحاسد لا يمكن أن يصبح سيد في شئ ولا يتفوق بحسده ولا يصل إلى مكانة أو نعمة بسبب هذا الحسد ، وقد يكون معناها أيضا أن الحسد ليس هو السبيل للوصول إلى المعالي أو الأهداف بل بالعكس فالحسد هو سبب فوات وضياع كل ذلك ، فهو لن ينتفع بحسده عقاب له من الله ، ولن ينتفع منه لإهدار طاقتة ووقته ومجهوده في مراقبة غيره وتمني أذاه ومراقبة أعراض العين والحسد بدل من الانتفاع بالوقت والمجهود فيما يفيد الشخص نفسه فيفوت على نفسه فرص الارتقاء بحياته وتنميتها لانشغاله بما لا يفيد وما قد يترتب على أذاه.
صفات الحاسد
- يتصف الحاسد بالنرجسية والحب الزائد لذاته.
- ثقة زائدة وغير مبررة بالنفس واقتناع مبالغ فيه بنفسه.
- القصور في المهارات، سواء النفسية أو الاجتماعية، يرجع إلى عدم قدرة الفرد على تحقيق النجاح.
- تعاني ناحية العواطف لديه من النقص إذ يبتعد عن الناس.
- لديه سلوكيات غير سوية مثل السلبية والعدوانية.
- لا يخفي مشاعره في تصريحاته ونظراته.
- لا يوجد لديه رادع في الاحتيال من أجل تحقيق مصالحه.
التوبة من الحسد
الحسد هو ذنب يتطلب التوبة منه، والتوبة تتم عن طريق الاستغفار والندم على هذا الفعل والعزم على عدم العودة مرة أخرى. ولا يحتاج الحاسد إلى التحلل من ما أذاه بحسده ما لم يكن لهذا الفعل أي تأثير على المحسود، وإذا وصل الأذى إلى الغير، فيجب على الحاسد الاغتسال وإعطاء المحسود ماء الاغتسال ليغتسل به
يمكن أيضا القيام ببعض الأمور التي تصل بها الخير إلى المحسود، فيغفر الله لمن أتى الحسد بأن يدعو له ويعاونه إذا استطاع تحصين نفسه وحمايتها.