ادب

قصة الصحابي الجليل الربيع بن زياد الحارثي

الربيع بن زياد الحارثي، أحد رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مشهورا بالشجاعة والإقدام، وساعده في ذلك مظهره الذي يحمل الهيبة لمن يراه. كان يتميز بطول قامته، فكان مجرد ظهوره للعدو يعد من أكثر الأمور رعبا بالنسبة لهم. وما ساعده على ذلك هو قوة إيمانه وشجاعته التي لا حدود لها. وظهر ذلك في العديد من المواقف التي سجلت له في السيرة النبوية. وفيما يلي مجموعة من أبرز مواقفه، رحمه الله.

جدول المحتويات

الربيع بن زياد الحارثي وعمر بن الخطاب

للصحابي الربيع بن زياد العديد من المواقف التي تبرز شجاعته وبسالته، وإيمانه القوي، ومن أهم تلك المواقف كان موقفه مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما تولى الخلافة. عندما تجمع الناس من جميع البلدان لتهنئته وتقديم البيعة له، حضر وفد من البحرين لتقديم البيعة له في الخلافة، وكان الربيع بن زياد الحارثي ضمن هذا الوفد. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهتم بسماع كلام الوفود والانتباه له، وبعد سماعه للكثير من الكلام المتشابه، ظهر رجل أحس به عمر رضي الله عنه بالسماحة، وطلب منه أن يتحدث، وكان هذا الرجل هو الربيع بن زياد الحارثي رضي الله عنه.

الحارثي يعظ عمر بن الخطاب

عندما طلب عمر بن الخطاب من الربيع بن زياد الحارثي التكلم، بدأ الربيع بحمد الله عز وجل وذكره، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أريد أن أخبرك أنني لم أتولى أمر هذه الأمة إلا لابتلائي بهذا الأمر من الله عز وجل، فاتق الله فيما ولايت عليه، وأعلم أنه لو ضلت شاة بشاطئ الفرات، فسوف تسأل عنها يوم القيامة. شعر عمر رضي الله عنه بمزيج من الدهشة والإعجاب والتأثر الشديد بكلام الربيع، فأعجب بشجاعته ولم يتردد في النصح والتذكير بأن الخلافة هي من طرق الابتلاء وليس من النعم، وأنه ينبغي أن ينتبه إلى أي مظلمة، فسوف تكون في عنقه يوم الدين. لم يتمالك عمر رضي الله عنه دموعه خشية من الله وتأثرا بكلام الربيع بن زياد، وأعرب عن ذلك قائلا: لم يصدقني أحد يوما بعدما استخلفته مثلما صدقتني. ثم سأل الربيع بن زياد عن هويته ونسبه، ورد عليه الربيع بن زياد بأنه الحارثي، فرد عليه أمير المؤمنين بأنه أخو المهاجر بن زياد، وأجاب الربيع بن زياد بالتأكيد، رضي الله عنهما.

مقاتل في جيش المسلمين

لم يمر حديث الربيع على عمر رضي الله عنه مر الكرام، ولكنه تمسك به وأراد أن يستفيد من تلك الطاقة الإيمانية، وتلك الروح الباسلة في شؤون الجيش، ولذلك بعد انتهاء مجلس الوفود، طلب الخليفة عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري، أن يتحرى عن الربيع، لرغبته الشديدة في استخدامه في الجيش، وبالفعل بعد مدة قصيرة كان الربيع أحد المحاربين في الجيش هو وأخوه المهاجر، وذلك بعد أن قام أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بتشكيل جيش لفتح مناذر، وفي تلك الحرب قتل عدد كبير من المسلمين، وكان المسلمون يشاركون في تلك الحرب في شهر رمضان وهم صائمون، ولكن ذلك لم يزعزع إيمان أخ الربيع المهاجر، وأصر على المضي قدما في القتال وهو صائم، رغبة في كسب رضا الله عز وجل، وعندما علم الربيع بذلك، ذهب إلى أبي موسى وأخبره بهذا الأمر.

طوبى لك وحسن مآب

فلما سمع أبو موسى ما قاله الربيع، نادى في المسلمين قائلا، قد قررت أن يفطر كل مسلم، وأمرهم بتوقف القتال وقطع صومهم، وشرب من الإبريق الذي كان بحوزته، حتى يفطروا المسلمون. لم يفعل المهاجرون مثل ما فعله أبو موسى، بل شربوا قليلا من الماء وانتفضوا للقتال بشدة ضد العدو، ولكن العدو تجمع حولهم وقتلهم، قاطعين رؤوسهم. قاموا بتعليق رأسه في مكان يطل على ساحة القتال ليخيفوا المسلمين، ولكن هذا لم يقلل من عزم الربيع. رأى أخاه معلقا ولكنه لم يخاف الموت، بل غضب أكثر على جيش العدو ونظر إلى أخيه قائلا: “طوبى لك وحسن مآب” وأقسم بالانتقام لأخيه ولكل رجل في جيش المسلمين. فعمله هذا قوى عزيمة أبو موسى، حتى أنه بعد أمر من خليفة المسلمين، ترك قيادة الجيش وانتقل لفتح السوس. أما الربيع فقد أوفى بوعده وانتقم لأخيه ولجميع جنود المسلمين، فقد شتت صفوف العدو وحقق الانتصار للجيش. تم فتح مناذر بتوفيق من الله.

وفاته رضي الله عنه

في يوم الجمعة، في عام 53 هجريا، نزل الربيع على الناس وأخبرهم بأنه زهد في الحياة وسيدعو الله عز وجل، وأمرهم بالتأمين على دعائه، ثم دعا الله قائلا: “اللهم إن كان لي عندك خيرا فاقبضني إليك عاجلا”، فانصاع الناس لأمره وقاموا بالتأمين على دعائه، ثم سقط الربيع أرضا وحمله الرجال إلى بيته، وعين ابنه عبدالله بن الربيع خليفته، وترك الربيع تاريخا يضرب المثل في الشجاعة والقوة والإيمان اللامحدود، ورحمه الله تعالى ورضي عنه وعن جميع الصحابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى