قصة التاريخ يعيد نفسه
تسمع كثيرًا عبارة “التاريخ يعيد نفسه” وهي العبارة التي تتكرر في أغلب المناقشات التاريخية أو التي تخص الأمور الاقتصادية والاجتماعية، دون معرفة المعنى الحقيقي للجملة ولماذا تم استخدامها وما هي القصة وراء قولها.
بعد البحث والتحري، تبين لنا بوضوح أن هذه الكلمات الرائعة هي واحدة من الأمثلة الإنجليزية القديمة الشهيرة والمشهورة، وأصبحت منتشرة في معظم الثقافات العربية والأجنبية بسبب اقترابها من الحقيقة .
قصة التاريخ يعيد نفسه
التكرار التاريخي أو ما يعرف بـHistoric recurrence والمثل الإنجليزي المعروف هو The history story repeats itself أي يعيد التاريخ نفسه، ثم تم اقتباسه في اللغة العربية بمعنى يعيد التاريخ نفسه، وكذلك في اللغة والثقافة الفرنسية l’histoire se répète وفي أغلب الثقافات جاءت لتحمل نفس المعنى وهو أن الأحداث التاريخية التي مرت علينا في الماضي يمكن أن تكرر إذا لم نتعلم منها الدرس والعبرة.
نظرا لأن الطبيعة البشرية ودوافعها والخير والشر والرغبات المكبوتة فيها لم تتغير منذ بداية الخلق وحتى الآن وعلى مر الزمان الذي لا يعرفه إلا الله، ومن الأمثلة العربية الأصيلة التي تشبه هذا المثل هو أن التاريخ يعيد نفسه، لا يوجد شيء جديد تحت الشمس، أي أنه لا يوجد شيء جديد بغض النظر عن مداه، فجميعنا نمر بتجارب سابقة.
لماذا التاريخ يعيد نفسه
تتعلق هذه الجملة بتكرار الأحداث التاريخية، وخصوصا فيما يتعلق بالممالك والإمبراطوريات المختلفة، وصعود الدول وتفككها وانقسامها. ويرجع ذلك إلى رغبة الإنسان في السيطرة وإقامة نظم حكم مختلفة، وإذا لم نستفد من التاريخ، فسنتجه نحو نفس الطريق.
نجد الكثير من العلماء والباحثين التاريخيين وضع منهجاً يطلق عليه التكرار الأبدي وتلك الأبحاث كما وصفت العصور القديمة في كتابات شهيرة وتحليلات موثقة في القرن 19 أن الأحداث التاريخية تكاد تكون واحدة فكتابات كلاً من فريدريك نيتشه وهاينريش هاينه تعيد نفسها مرة أخري حتي باتت متوافقة وشديدة التماس بمجتمعنا في القرن 19.
إلا أن البعض يرى استحالة في حدوث تلك المقولة بسبب الدورات الكونية المتتالية والتغيرات التي يستحيل تكرارها، وبسبب التطورات التكنولوجية الكبيرة والقفزات التي يمر بها الكون خاصة الخاصة بالعلوم الكونية كما أوضح لنا كلاً من غيغاواط ترومف وهاريت زوكرمان وروبرت ك وميرتون ، حيث أوضحوا في كتاباتهم عن التكرار التاريخي أن ذلك الرأي راجع للأنماط السياسية الثابتة منذ قديم الأزل ولكن لا يمكن تطبيقها على أي شيء أخر.
ومع ذلك، فإن هذه المقولة ضعيفةنسبيًا، لأن معظم الباحثين والمحللين يرون أن التاريخ يتكرر بشكل مخيف، وقد أظهرت الأحداث ذلك بوضوح في كثير من الأمثلة .
لذلك، تم ابتكار نظرية تسمى التكرار التاريخي، والتي تم تقديمها من قبل بوليبيوس والتي ساعده فيها المؤرخ التاريخي الشهير الهلنستي، وذلك في الفترة ما بين 118 – 200 قبل الميلاد، حيث بدأ الأمر بالتطور التاريخي والتكرار الكوني، واطلق عليها اسم العودة الأبدية.
واشترك العديد من المؤرخين والمفكرين الأجانب واليونانيين وغيرهم مثل:
- ديونيسيوس هاليكارناسوس هو مؤرخ وبلاغي يوناني، ظهر في الفترة التي تتراوح بين 60 قبل الميلاد و7 قبل الميلاد تقريبًا.
- لوقا الإنجيلي ونيكولو ماكيافيلي (1469–1527) .
- جيامباتيستا فيكو (1668). 1744) .
- أرنولد ج. توينبي (1889–1975.
أما عن المفهوم العربي والشرقي لنظرية التكرار التاريخي وهو أن الأحداث تعيد نفسها مرة أخري بسبب انطلاقاً من أن الطبيعة البشرية واحدة، وذلك يلاحظ أيضًا “أنه ينظر إلى الانطلاق من الإيمان بتوحيد الطبيعة البشرية [تركيز ترومب]. إنه يرى أنه نظرًا لأن الطبيعة البشرية لا تتغير ، يمكن أن يتكرر نفس النوع من الأحداث في أي وقت.
يقول الكثير من المؤرخين أن هناك العديد من حالات التفكير المتكرر الثانوية الأخرى، بما في ذلك عزل أي حدثين محددين يحملان تشابهًا لافتًا للغاية أو الانشغال بالتوازي، أي الملاحظة التشابه العام والدقيق بين مجموعات منفصلة من الظواهر التاريخية.
التاريخ المتكرر في القرآن الكريم
والقرآن الكريم هو واحد من أهم الكتب السماوية، وقد أشير من قبل العديد من الباحثين والمحللين إلى أنه يحتوي على العديد من القصص القرآنية. وقد أثبت التاريخ أن هذه القصص تتكرر، حيث أن القرآن الكريم يركز في هذه القصص على الهدف والعبرة دون الاهتمام الكبير بذكر الأشخاص أو الأماكن، ولا يذكر الزمان أو المكان إلا إذا كان لها دلالة أو حكمة. ونجد أن الحكمة والعبرة التي يقدمها القرآن الكريم تكون مناسبة لكل زمان ومكان، ونرى تكرار تلك القصص من جديد حيث يعيد التاريخ نفسه. ومن بين المواضيع التي تكررت في التاريخ نجد ما يلي
- نجد أن الله عز وجل لم يذكر أسماء الأشخاص إلا إذا أراد إيصال حكمة معينة من وراء ذكر الشخص أو المكان، عدا بعض الأنبياء أو بعض الأشخاص أمثال ( هامان ، آزر ، قارون، زيد ) بل كان يكتفي الله بوصف أبطال القصص بالشرك أو الكفر أو التقوى أو الترف أو الإيمان أو الإسراف، وذكر تلك الصفات جعلت القصص متناسبة لكل عصر وزمان ومكان.
- في سورة إبراهيم، ذكر الله عز وجل قصة سيدنا إبراهيم، وكانت الحوارات التي دارت بين الأنبياء والرسل والأمم معروفة عبر الزمن، وهي نفسها التي تتكرر في معظم الأزمنة التاريخية بعد ظهور القرآن الكريم وتوسع العالم أو الأرض.
- تتناول العديد من القصص في القرآن الكريم الرسل ومواجهتهم للدعاة والاضطهاد والإيذاء، وذلك كما ورد في الآيات التالية:
- (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) وذلك في سورة فصلت الآية رقم 43)، وهنا معناه أن كافة الأقوام الأخرى السابقة قالوا للرسل التي أرسلهم الله لهم أنهم يتبعون أسلافهم وما كانوا يعبدونه آباءهم.
- وكما ورد في الآية الكريمة (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) في سورة الزخرف الآية رقم 22.
- وكان الله عزوجل قد رد عليهم بقوله سبحانه وتعالى: ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) سورة الزخرف الأية رقم 23 .
- كما أن الله عز وجل قد ضرب لنا العديد من الأمثلة لأن التاريخ يعيد نفسه كما في الآية القرآنية الكريمة (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( وكان التعليق من رب العزة جل وعلا : ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( سورة الذاريات الآية رقم 52).
- كما أن جميع الكفار الذين نزلت عليهم الرسالة وأرسل الله لهم الرسل والأنبياء، طلبوا من الله آيات ودلائل حسية، ويتضح ذلك في الآية الكريمة: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ۗ كذٰلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم)، وعلق الله على تلك الحادثة في قوله العزيز: (تشابهت قلوبهم)، (في سورة البقرة الآية 118).
حقائق أثبتها التاريخ وأعادها الإنسان
هناك سبع حقائق تاريخية مؤكدة ومثبتة بالأدلة التي أدت إلى نتائج سلبية، وحذرنا منها، ومع ذلك، يبدو أن الإنسان لا يتعلم من تلك الأخطاء التاريخية ويكررها، ومن بين تلك الحقائق والقواعد الأساسية الهامة:
- يؤدي احتكار الثورات لفئة معينة دون غيرها إلى تدمير الاقتصاديات العالمية.
- الانهيارات الاقتصادية تؤدي مباشرة إلى الانهيارات الاجتماعية.
- يؤدي التمسك بأسطورة الرجل القوي الواحد وظهور الدكتاتوريين وحكم الرجل الواحد إلى تدمير المجتمع.
- الديمقراطية وحدها ليست قادرة على تنمية المجتمع بسبب الانهيارات الاقتصادية الكبيرة، وتعتبر من أضعف الأنظمة.