قصة الأمير سلطان بن سلمان مع تجربة الصيام في الفضاء
في عام 1985، قدمت المنظمة العربية للاتصالات الفضائية ترشيحا للأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، الذي كان طيارا مدنيا ولديه خبرة في قيادة بعض الطائرات، للصعود على متن المكوك الفضائي الأمريكي. ووصف الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، هذه التجربة المثيرة التي قام بها في نهاية شهر رمضان من عام 1985 بأنها “تجربة لا تنسى”، وأن الرحلة كانت واحدة من أهم محطات حياته.
خاصة أنه قد عاش أيام هذا الشهر الكريم في الفضاء والفترة التدريبية المكثفة التي سبقتها في نهار رمضان في هيوستون. وكانت المهام التي قام بها سمو الأمير تتضمن إجراء تجربة الغاز المؤين وتصوير الدخان الكثيف الناتج عن محركات المركبة. شاركها مع الفرنسي بودري في تجربة تكيف حواس الجسم البشري في حالة عدم الجاذبية، بالإضافة إلى التقاطه مجموعة من الصور الفضائية للمملكة باستخدام عدسات مختلفة.
سبحة ومصحف وعلم المملكة :
وأوضح الأمير سلطان أن أوامر وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ألزمت طاقم المركبة بحمل جوازات سفرهم تحسباً لأي عرض طارئ قد يصيب الرحلة وتهبط في أي مكان آخر، أما عن الأغراض الشخصية التي حملها معه إلى الفضاء فكانت المصحف الشريف صغير الحجم، سبحة شخصية من الملك فهد يرحمه الله، وعلم المملكة موقعاً عليه من قبل العاهل السعودي، إضافة إلى مجموعة من الاسطرلاب العربي وهي آله قديمة كان يقاس بها ارتفاع الكواكب القديمة هدية رمزية من قبل حكومة المملكة العربية السعودية لقادة الدولة العربية المساهمة في مؤسسة عرب سات، كما حملت معي علماً آخر للمملكة العربية السعودية لتقديمه هدية للأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد آنذاك وللأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد رحمهما الله جميعاً.
بجانب صورة عائلية وسبحة شخصية من والدي الملك سلمان بن عبدالعزيز وساعة يد وسلسلة جدته أم والدة الأميرة حصة بنت أحمد السديري رحمها الله، وسلسلة والدته المعلقة بها صندوق صغير يحتوي على المصحف الشريف، بالإضافة إلى ساعة يد خاصة للملك عبدالعزيز رحمه الله من دارة الملك عبدالعزيز في الرياض، وصورة موقعه من خطاب من أخيه الأمير الراحل فهد بن سلمان، وسلسلة الطيران الخاصة بالأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن، وحملت معي أيضا خاتما شخصيا من ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى ولي العهد آنذاك، وبالإضافة إلى الميداليات الذهبية والفضية التي تحمل الشعار التذكاري للرحلة لتقديمها كهدايا بعد العودة.
صمود وتحدي وفتوى بالإفطار :
وقد روى الأمير سلطان بن سلمان قصته مع الصوم في الفضاء وفق صحيفة ” سبق ” قائلاً : لقد تم الاتفاق مع أطباء ناسا للسماح لنا بالصيام مع أن الفتوى أتت من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة يرحمه الله بأن الأولى أن نفطر خلال هذه الفترة ونقضي بعد العودة لبلادنا حيث أننا على سفر، وتم الاتفاق مع ناسا على مراقبتنا الصحية لأول أسبوع، على أن نتوقف عن الصيام في حال ملاحظة أي تدهور صحي، أو تأخر في استيعاب الاستعدادات المكثفة للانطلاق إلى الفضاء.
وقال: عرض مكتب الرواد في ناسا علينا تأجيل بدء التدريب في الصباح حتى نحصل على وقت كاف للنوم ولتجنب التعب، ولكننا أكدنا استعدادنا للاستمرار في التدريب في الموعد المحدد في الصباح الباكر كما هو معتاد، وأداء جميع المهام التي يقوم بها بقية أفراد الطاقم، بالإضافة إلى التزامات أخرى مثل مقابلات الصحافة ووسائل الإعلام وأداء التمارين الرياضية وغيرها من الواجبات، لقد كانت أياما جميلة حقا ولله الحمد، حيث تمكنا من صيام الشهر الفضيل بلا أي مشاكل صحية أو تعب، بل إن صحتنا كانت في أوجها وأيامنا مليئة بالعمل والجهد.
الاستعداد للانطلاق إلى الفضاء :
ويضيف الأمير سلطان: انتقلت بعدها من مدينة هيوستن إلى مركز كيندي للفضاء بفلوريدا قبل أسبوع واحد من موعد انطلاق المكوك من أجل الحجر الصحي مع مزيد من الفحوصات الطبية، وفي فجر 29 رمضان 1405 هـ تسحرت حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحًا خلال إفطار الرواد التقليدي يوم الإطلاق، ثم أكرمني الله بصلاة الفجر على منصة الإطلاق، لقد كان منظرًا مهولًا حقا وأنا أنظر بعد وصولنا لأعلى المكوك على ارتفاع 60 مترا من مستوى المنصة على سطح الأرض وأنظر إلى بزوغ الفجر الجميل على قاعدة كيب كيندي المعروفة بجمال طبيعتها.
صيام وصلاة وقراءة قرآن في الفضاء :
ويصف سمو الأمير المشهد قائلاً : رأيت المكوك العملاق يلمع باللون الأبيض من أضواء الكشافات القوية المسلطة عليه، وفوقه السماء ترتفع بزرقة جميلة. كانت هناك لحظات أخرى في هذا اليوم التاسع والعشرين من رمضان 1405 هـ التي لن أنساها، وأنا أكبر لصلاة الفجر، متجها إلى مكة المكرمة مصليا وداعيا الله تعالى للتوفيق والسلامة، ومشكورا على نعمته بأن أوصلني إلى هذا المكان بتوفيقه في رحلة استمرت 7 أيام.
وعن قراءة القرآن الكريم على المركبة الفضائية يقول: لقد كان اصطحاب القرآن معي أمرا عظيما، كنت أقرأ القرآن خلال النصف الساعة الأولى في انتظار لحظة الإقلاع وأنا جالس في وضع استلقاء بجوار زملائي باتريك بودري وجون فابيان، كما انتابتني غفوة لعدة دقائق أثناء الانتظار الذي امتد لنحو ساعتين بطيئتين؛ كنت أضع خطوطا تحت الآيات التي أقرأها ثم أنظر من شباك المركبة الصغيرة على جانبي الطائرة.
واستطرد : في اليوم الأول للرحلة، شعرت بالتعب والإجهاد نتيجة قلة النوم وفقدان السوائل وانعدام الوزن، مما أدى إلى شعوري بالجفاف الشديد. ومع ذلك، تمكنت من الصمود بفضل الله. وفي مساء ذلك اليوم، عندما كان باقيا على موعد إفطاري ساعة واحدة، اعلن الرائد جون فابيان العيد في المملكة وقدم لي تمرة وتفاحة للإفطار، وهو الوقت الذي كان فيه الطاقم ينام. فأيقظني وقال: “استيقظ يا سلطان، اليوم إفطار بلادك”. فشكرته وأخبرته أن هذا الشعور الجميل يدل على العمل بروح الفريق الواحد. والحقيقة هي أن موعد الإفطار لم يحن في المكوك، حيث كنا نصوم ونفطر بحسب تقويم ولاية فلوريدا التي انطلقنا منها، لذلك فإن العيد سيكون غدا.