قصة ” الأرواح جنود مجندة “
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، وفقا لما روي في صحيح الإمام البخاري، عن عائشة رضي الله عنها: `الأرواح جنود مجندة، فالتي تتشابه تؤلف والتي تتناقض تختلف،` ويفسر الخطابي هذا الحديث بأنه يشير إلى التشابه والتناقض في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الأشخاص الذين لديهم أخلاق صالحة يتقاربون ويتعارفون، بينما يتباعد الأشخاص الأشرار ويتناكرون، ويكون التعارف بين الأرواح وفقا للطبيعة التي صنعت عليها مثل الخير والشر، فإذا كانت هذه الطبيعة متشابهة، فإن الأرواح ستتعارف، وإذا كانت مختلفة، فإنها ستتناكر .
تفسير حديث الأرواح جنود مجندة
قد يرجع معنى هذا الحديث إلى تفاصيل بداية الخلق التي تقع في عالم الغيب، حيث يقال أن الأرواح خُلقت قبل الأجسام، وكانت تتشائم عندما كانت تلتقي، وعندما حُلت بالأجسام، تعارفت بالأمر الأول وأصبحت تتناكر وتتعارف على ما سبق من العهد المتقدم .
يقال أيضا في تفسير ذلك أنه عندما خلقت الأرواح، خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها هو أن الأجسام التي تحتوي على هذه الأرواح يمكن أن تتفق أو تختلف، وذلك يعتمد على ما خلقت عليه هذه الأرواح في الدنيا .
قد يحدث لقاء بعض المتناقضين، لأن ذلك يعتمد على أساليب الخلق بدون سبب، ولأن ذلك يتم تنفيذه وفقا لمبدأ التلاقي. وقد يكون ذلك أيضا ناتجا عن تجديد الوصف الذي يستدعي الألفة بعد النفرة، مثل إيمان الكافر وإحسان المسيء. وقوله `جنود مجنونة` يعني جموعا مجتمعة أو أنواعا متنوعة .
قال ابن الجوزي : إذا وجد الإنسان في مجتمعه شخصا ذو فضيلة أو صلاح، يجب عليه السعي في التقرب منه وتحسين صفاته، وعلى العكس من ذلك يجب عليه السعي في إزالة الصفات المذمومة التي تكون بالشخص المنافق .
وقال القرطبي : الأرواح، على الرغم من اتفاقها في أنها أرواح، إلا أنها تختلف في أمور متنوعة؛ فتجتمع أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب المعنى الخاص المتضمن في هذا النوع، ولذا نرى أن أشخاص كل نوع يتجانسون مع بعضهم ويمتنعون عن المخالفة. ويمكن أن نجد أشخاصا من نوع واحد يتفقون في بعض الأحيان ويختلفون في أحيان أخرى، وذلك حسب الأمور الناتجة عن الاتفاق والتفرد .
قصة الحديث الشريف الأرواح جنود مجندة
كانت هناك امرأة في مكة كانت تضحك على الناس، ثم أتت إلى المدينة ووجدت امرأة أخرى تضحك على الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: `الأرواح جنود مجندة` حتى نهاية الحديث.
وفي مسند أبي يعلى وفيه قصة في بدايتها عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: `كانت امرأة طريفة في مكة، ثم التقت امرأة مثلها في المدينة. فبلغت عائشة فقالت: بالفعل، صدق حبيبي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.` فذكرت قصة مشابهة .
يعني ذلك الحديث أن الأرواح هي مجموعات متنوعة، حيث تختلف في أنواعها، وتعارف بعضها البعض لأسباب محددة أو تتنافر لأسباب أخرى، وأن الأرواح تتفق في الخصائص التي خلقها الله عليها، ويقال إن الأرواح خلقت بشكل مجتمع ثم تم توزيعها في أجساد البشر، حيث يتفق من له صفات متشابهة ويتنافى من له صفات مختلفة .
وأيضا، يقول الخطابي أن تآلف الأرواح هو ما خلقت عليه من سعادة أو شقاوة في بداية الخلق، وأن الأرواح خلقت في قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا اتفقت واختلفت بحسب ما خلقت عليه، فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار. والله أعلم .
ذكر ابن القيم في زاد المعاد 4/255 أن التناسب والتنافر بين الأرواح له حكمة معينة عند الله تعالى في خلقه وأمره لحدوث التناسب والتآلف بين الأشباه، وانجذاب الشيء إلى موافقته ومجانسته بالطبيعة، وفراره من عدم الموافقة والخلاف بالطبيعة، وكشف عن التمازج والاتصال في العالم العلوي والسفلي، فهو بالتناسب والتشابه والتوافق، وكشف عن التباين والانفصال بالعدم من التشابه والتناسب، وبناء على ذلك تم الخلق والأمر، فالشيء يسعى لمثله ويصير له، والشيء المضاد يهرب منه، وينفر منه.
في جوهر الكون، الله تعالى لا يفرق بين المتشابهين، ولا يجمع بين المختلفين، ومن يعتقد غير ذلك فإن ذلك يرجع إلى قلة علمه بشريعة الله تعالى أو عدم وعيه بالتنوع والاختلاف .
وقد قال تعالى: الله هو الذي خلق الإنسان من نفس واحدة وجعل له زوجته من نفسه، لكي يسكن معها. والسكون هنا يدل على الحب، لأن الزوجة من نفس جنسه وجوهره، وعلى الرغم من أن التوافق في الشكل الحسن أو الهدف أو الهندسة الإنسانية أسباب أخرى للتوافق، إلا أن الأساس هو الأرواح التي خلقها الله .
وسيكون ذلك أيضا في يوم القيامة وليس فقط في الحياة الدنيا. يقول الله تعالى: `احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم` [الصافات: 22]. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وبعده الإمام أحمد، رحمهما الله: `أزواجهم أشباههم ونظراؤهم`.