قصة أصحاب الجنتين
قص القرآن الكريم علينا الكثير من القصص، بعضها يحكي عن الأنبياء، والبعض الآخر متنوع مثل قصص عن الرجال الصالحين أو غير الصالحين، والغرض من هذه القصص هو العظة والعبرة، وتعلم الخبرات التي مروا بها، حتى لا نقع في أخطائهم السابقة، وعلى الجانب الآخر نستفيد من الصواب الوارد خلال هذه القصص، فحياة الإنسان عبارة عن تجارب، والعاقل هو من يتعظ منها سواء كانت خيرا أو شرا .
القصص التي ذكرت في القرآن الكريم، بعضها جاء لتثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعضها الآخر جاء لتثبيت قلوب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين .
معنى القص والقصص في القرآن الكريم
يوجد لفظ القص والقصص في كتاب الله سبحانه وتعالى في عدة مواضع، وتعني في المجمل تتبع ومتابعة، فعندما نقول “قصص السابقين” فإننا نعني “تتبع أخبار السابقين ومتابعة أحوالهم السابقة”، ومن ذلك نفهم أن لفظ القص والقصص يدل على التتبع والمتابعة للأثر أينما ورد في القرآن الكريم .
قصة صاحب الجنتين والعبرة منها
قال تعالى : (ولنضربن لهم مثلا رجلين، جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا) .
وردت الآيات السابقة في سورة الكهف، وتقدم هذه القصة وجهتي نظر مختلفتين لمن يقرأها، فيما يتعلق بالحياة والرزق الذي يختلف بين الأشخاص، فهناك الأغنياء والفقراء، وهذا بحكمة من الله .
تروي القصة وجهة نظر رجل مؤمن وفقير يتوكل على الله، حيث يؤمن بالله بإيمان حق، ويدرك بيقين أن الحياة الدنيا لا تضاهي الحياة الآخرة، وأن جزاء المؤمنين في الآخرة، بينما يفتن رجل آخر بثرواته، ويعتقد أن نعيم الدنيا باق، ويكفر بنعم الله عليه، ورزقه الله بجنتين جميلتين مزروعتين بالأعناب والأشجار من النخيل تحيط بهما .
وهذا الرجل قد فتن بهذه النعم العظيمة والجنتين ، والثمار والفواكه التي تخرج منها ، لكن الله عز وجل قد أمر الجنتين بان تثمرا لهذا الرجل جميع أنواع الثمار المختلفة ، وبالفعل استجابتا لذلك ، فقامتا بإنتاج الثمار الناضجة واليانعة ، التي تسر الناظرين إليها ، ومن المفترض أن يكون رد فعل الرجل هو الشكر لله على هذه النعم ، لكنه كفر بها وتجاوز وغفل .
أخذ الرجل يتكبر على الرجل الفقير في قول الله تعالى : وكان له ثمر، فقال لصاحبه وهو يحاوره: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. فلم يؤمن بنعم الله ولم يشكره أو يتصدق منها. بدلا من ذلك، نسب الخير إلى نفسه بدلا من الاعتراف بفضل الله عليه. واعتقد أن هذه النعم لن تزول أبدا، وادعى أنه سيجد أفضل مما لديه من جنات عندما يعود إلى الله. هذا ليس إيمانا بالله، بل تعاليا وتكبرا .
ظن الشخص الذي يملك حديقتين أنه هو الأفضل وله مكانة عالية، ويتفوق على الرجل الفقير والمثلين له، لكن الله يقول: “ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلىٰ ربي لأجدن خيرا منها منقلبا”، وهي تعني أن من يتكبر ويتفوق سيفشل وسيعود إلى الله، والله هو الأكثر كرامة
على الجانب الآخر يأتي رد الرجل الفقير المؤمن الثابت على الإيمان، المتمسك بالميزان الايماني الصحيح ولم تغره الحياة الدنيا وزخرفها، ليرد على كفر وتكبر وتعنت صاحب الجنتين، بححوار هادئ هادف، يذكر صاحب الجنتين بأصلِ خلقته من ضعف ومن مادة ضعيفة فيقول له كما ورد في القرآن الكريم : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا).
ويتابع أنه ثابت على الإيمان بالله الذي أنعم وتفضل عليه سبحانه وتعالى، وأن الأصل أن يرتبط قلب العبد بالله في الغنى والفقر وفي كل الأحوال، وأن الصحيح إذا دخل الإنسان أملاكا له أن يقول: ما شاء الله، وأن ينسب القوة والملك والنعمة لله سبحانه فيقول: لا قوة إلا بالله (لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا*ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) ويتابع الرجل المؤمن حديثه بكل ثقة وإيمان عظيمين ثابتين .
عندما يقول المؤمن لصاحب الجنتين، إذا رأيتني فيما يظهر لك من معرفتك المحدودة بالظواهر، أنت أغنى مني مالا وأعددا وقوة ومنعة، فإن الله قادر على منحي خيرا من جنتك. ثم يحذره من غضب الله تعالى، فإن الكفر والبغي والغرور بالنعمة ينتهي بهما إلى عاقبة كبيرة. فالله قادر على تدمير جنتيك وإفنائهما بسبب تكبرك وبغيك وظلمك وكفرك. قال تعالى: (ربما ربي يمنحني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فيصبح أرضها زلقة، أو يصبح ماءها غورا فلن تجد لها ملجأ) .
وبالفعل أتي عقاب الله سبحانه وتعالى لذلك الكافر المعاند الذي اغتر بالحياة الدنيا، واغتر بجنتيه، فساقه غروره وكفره إلى أن غضب الله عليه، فاستحق العقاب من الله العظيم، فأرسل الله سبحانه وتعالى على جنتي ذلك الرجل صاعقة دمرت الجنتين، وأهلكتهما، وأتلفت ما فيهما من ثمار، فندم صاحب الجنتين على ما ورد منه ، وأدرك أنه استحق زوال هذه النعمة العظيمة الجليلة؛ بسبب كفرهِ وتعنته وغروره ، قال تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا).
– “ندم صاحب الجنتين بالفعل على شركه بالله، وندم على الكفر بالنعمة، ولكن ندمه جاء بعد هلاك جنتيه وفقدانه لما أنعم الله به عليه، وعلم في ذلك الوقت أنه لا يوجد عظيم ولا ناصر إلا الله، ولا يستحق العبادة إلا الله، وأنه يجب عليه شكر الله على نعمه، وأدرك أنه أخطأ بشكل كبير عندما رفض الصدقة وحرم الفقراء والمساكين من حقوقهم في هذه النعم، كما أمره الله عز وجل .