قصائد الاعشى في الغزل
من هو الاعشى
إنه أعشى بن قيس بن ثعلبة، الملقب بصناجة العرب، والمكنى بأبي بصير. اعتبره أبو الفرج الأصفهاني أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولها، ووجد أنه تقدم على غيره من الشعراء. وهناك الكثير ممن لقبوه بالأعشى بن قيس وذلك لوجود عدد كبير من الأشخاص الملقبين بالأعشى، مثل أعشى بكر بن وائل، وأعشى بن ثعلبة، ربيعة بن يحيى، وأعشى بني ربيعة، عبد الله بن خارجة، وأعشى همدان، وأعشى بني سليم
المشهور بالعشى الكبير هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان والده قيس بن جندل يلقب بقتيل الجوع. يعود تفسير هذا اللقب إلى أن والده لجأ إلى كهف في يوم شديد الحرارة،ثم سقطت صخرة كبيرة على مدخل الكهف فسدل عليه الجوع ومات.
ألقاب الاعشى ومعانيها
تم تسمية الأعشى بهذا الاسم بسبب فقدان بصره، ولقبه البعض بأبي بصير تفاؤلا وإعجابا بنظره الثاقب، بينما رأى البعض الآخر أن الأعشى يمكنه رؤية النهار ولكنه لا يستطيع رؤية الليل، وذلك حسب المعنى اللغوي للأعشى.
وبالنسبة للقب الآخر للأعشى، صناجة العرب، فإن معناه مختلف أيضًا، ويعتقد بعض الناس أنه يحمل هذا اللقب لأنه كان أول من ذكر الصنج في شعره، حيث قال:
وهو مستجيب لصوت الصنج يمكن سماعه *** عندما يعود إليه القنة الفضية
وبعض الناس يرون أن تسمية الشاعر صناجة العرب كانت لأنه كان يغني في شعره، وقد أشار حماد الرواية حين سأله أبو جعفر المنصور عن أشعر الناس فأجاب: “نعم، ذلك الأعشى صانعه.
شعر الاعشى وقصائدة
كان الشاعر الأعشى جريئا في شعره وخمرته، وكان واحدا من أشهر شعراء الشعر الماجن في وصف النساء. كانت جرأته واضحة عندما يمدح أو يفتخر أو يهاجم، وبسبب ذلك احتل شعره مكانة مرموقة. نال إعجاب الأدباء والنقاد، ومن أشهر قصائده في الغزل قصيدة `ودع هريرة إن الركب مرتحل`
قصيدة ودع هريرة إن الركب مرتحل
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت
كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها
وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها
إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ
إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت
وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ
إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ
رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ
وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها
لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ
وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ
فَقُلتُ لِلشَربِ في دُرنى وَقَد ثَمِلوا
شيموا وَكَيفَ يَشيمُ الشارِبُ الثَمِلُ
يَسقي دِياراً لَها قَد أَصبَحَت عُزُباً
زوراً تَجانَفَ عَنها القَودُ وَالرَسَلُ
وَبَلدَةً مِثلِ ظَهرِ التُرسِ موحِشَةٍ
لِلجِنِّ بِاللَيلِ في حافاتِها زَجَلُ
لا يَتَنَمّى لَها بِالقَيظِ يَركَبُها
إِلّا الَّذينَ لَهُم فيما أَتَوا مَهَلُ
مِن كُلِّ ذَلِكَ يَومٌ قَد لَهَوتُ بِهِ
وَفي التَجارِبِ طولُ اللَهوِ وَالغَزَلُ
قصيدة نام الخلي وبت الليل مرتفقا
نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَيلَ مُرتَفِقا
أَرعى النُجومَ عَميداً مُثبَتاً أَرِقا
أَسهو لِهَمّي وَدائي فَهيَ تُسهِرُني
بانَت بِقَلبي وَأَمسى عِندَها غَلِقا
يا ليتها وجدت فيَّ ما وجدتُ فيها
وَكانَ حُبٌّ وَوَجدٌ دامَ فَاِتَّفَقا
لا شَيءَ يَنفَعُني مِن دونِ رُؤيَتَها
هَل يَشتَفي وامِقٌ ما لَم يُصِب رَهَقا
صادَت فُؤادي بِعَينَي مُغزِلٍ خَذَلَت
تَرعى أَغَنَّ غَضيضاً طَرفُهُ خَرِقا
وَبارِدٍ رَتِلٍ عَذبٍ مَذاقَتُهُ
كَأَنَّما عُلَّ بِالكافورِ وَاِغتَبَقا
وَجيدِ أَدماءَ لَم تُذعَر فَرائِصُها
تَرعى الأَراكَ تَعاطى المَردَ وَالوَرَقا
وَكَفلٍ كَالنَقا مالَت جَوانِبُهُ
لَيسَت مِنَ الزُلِّ أَوراكاً وَما اِنتَطَقا
كَأَنَّها دُرَّةٌ زَهراءُ أَخرَجَها
غَوّاصُ دارينَ يَخشى دونَها الغَرَقا
قَد رامَها حِجَجاً مُذ طَرَّ شارِبُهُ
حَتّى تَسَعسَعَ يَرجوها وَقَد خَفَقا
لا النَفسُ توئسُهُ مِنها فَيَترُكُها
وَقَد رَأى الرَغبَ رَأيَ العَينِ فَاِحتَرَقا
وَمارِدٌ مِن غُواةِ الجِنِّ يَحرُسُها
ذو نيقَةٍ مُستَعِدٌّ دونَها تَرَقا
لَيسَت لَهُ غَفلَةٌ عَنها يُطيفُ بِها
يَخشى عَلَيها سَرى السارينَ وَالسَرَقا
حِرصاً عَلَيها لَوَ اِنَّ النَفسَ طاوَعَها
مِنهُ الضَميرُ لَيالي اليَمِّ أَو غَرِقا
في حَومِ لُجَّةِ آذِيٍّ لَهُ حَدَبٌ
مَن رامَها فارَقَتهُ النَفسُ فَاِعتُلِقا
مَن نالَها نالَ خُلداً لا اِنقِطاعَ لَهُ
وَما تَمَنّى فَأَضحى ناعِماً أَنِقا
تِلكَ الَّتي كَلَّفَتكَ النَفسُ تَأمُلُها
وَما تَعَلَّقتَ إِلّا الحَينَ وَالحَرَقا
المرأة في شعر الاعشى
كانت نظرة الشاعر الجاهلي للمرأة مستمدة من وجهة نظر المجتمع تجاه المرأة، حيث كانت المرأة تمثل مصدر الحياة وجمالها الجسدي هو مصدر الإلهام والخيال للشعراء، لذلك تغنى الشعراء بها وخصوها بالقصائد الجميلة، وكانت العينان من بين أجزاء جسم المرأة التي لفتت انتباه الشاعر الجاهلي، حيث قارن عيني المرأة بعيون البقر أو الغزال وذلك بناء على بيئته الاجتماعية والثقافية التي نشأ فيها، وذكرت هذه الأشعار في إطار الغزل الجاهلي للاعشى
- تَلألُؤهَا مِثْلُ اللّجَيْنِ، كَأنّمَا
- تَرَى مُقْلَتَيْ رِئمٍ وَلوْ لمْ تَكَحّلِ
- سَجوّينِ بَرْجاوَينِ في حُسنِ حاجبٍ،
- وَخَدٍّ أسِيلٍ، وَاضِحٍ، مُتَهَلِّلِ
فقد شبه الشاعر عيني حبيبته في هذا البيت بعيون الغزالة، المزينة بالكحل بشكل طبيعي، ووصفهما بانهما ساكنتين مثل اعين الغزال وواسعتنا وصافيتان تحت الحجاب الذي زاد من جمالها، كما انه وصف الخد بالنعومة والوضوح والنعومة ما هي إلا دليل على رفاه المرأة والرخاء الذي تظهر ملامحه على جسدها.
كما اهتم جميع الشعراء بفم المرأة لأنهم رأوا أن فمها هو ينبوع المتعة، ووصفوا الشفاه واللثة والريق بلا خجل أو حياء، وقال الأعشى
وَتَضْحَكُ عَنْ غُرّ الثّنَايَا، كأنّهُ
ذُرَى أُقْحُوَانٍ نَبْتُهُ مُتَنَاعِمُ
وصف الفم بأنه عذب المذاق والريق بأنه حلو ونظيف
وَبارِدٍ رَتِلٍ عَذبٍ مَذاقَتُهُ. كَأَنَّما عُلَّ بِالكافورِ وَاِغتَبَقا.
وصف الأعشى جدائل شعر حبيبته ذات اللون الأسود الذي يغطي عنقها الأبيض بطريقته الخاصة
مبتهجة هيئة رود شبه بابها *** لها مقلة رمز وأسود فاح.
يتحول الشاعر من الحديث عن جمال الشعر الأسود، الذي يشبه لمعان الفضة ويعكس الثراء والنعمة والترف، إلى الغزل بجمال عنق حبيبته، حيث يعتبر العنق رابطًا بين الوجه والصدر، ويتم تشبيهه بالغزالة والضبي
وبجید معزلة إلى *** وجھ تزینھ النضاره
– ينتقل بعدها إلى وصف الصدر الذي كان يشكِّل إغراءً كبيرًا للشعراء، وكان من أكثر الأعضاء إثارةً وجاذبيةً ويقول الأعشى
كانوا مثل رمانتين جميلتين، مشابهتين لجمال غزال، إلا إذا لم تعط
الصدر يوصف بالرمان لأنه كبير الحجم، مما يسلط الضوء على جمال حبيبة الشاعر وجاذبيتها القوية.