علم النفسعلم وعلماء

علم نفس الغرائب

يعد علم نفس الغرائب فرعًا متخصصًا في دراسة التجارب الإنسانية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكل ما هو غريب وغير منطقي وما ورائي، وهو فرع من فروع علم النفس العام، ولكن من دون وجود مسببات غامضة أو خارقة في هذه الأحداث أو التجارب.

بناء على ما سبق، يمكننا استنتاج أن علم نفس الظواهر الغريبة يعمل على تفسير الأمور غير الطبيعية والخارقة باستخدام قواعد علمية ومنطقية. يستند إلى بعض العوامل النفسية والفيزيائية التي تقدم تفسيرات منطقية للظاهرة، بعيدا عن الخرافات والتطرف في جوانب أخرى. في بعض الأحيان، العقل لا يمكنه التكيف مع فكرة وجود تلك الظواهر. بعض الأمور التي يتم تفسيرها على أنها اتصال روحي أو تجسيد للأرواح أو طاقات كونية، لا تجد قبولا واسعا بين الكثيرين. لذلك، في هذه المقالة نتحدث عن علم نفس الظواهر الغريبة أو العلم النفسي للظواهر الاستثنائية، وكيفية تفسير الظواهر الخارقة باستخدام المنطق والعلم.

نبذة تاريخية عن علم نفس الغرائب

كان الكاتبان وارن جونز وليونادر زوسن أول من اقترح مصطلح “علم نفس الغرائب” من خلال كتابهما “علم نفس الغرائب: دراسة في التفكير السحري” الذي نشر عام 1989، ولقي هذا الكتاب استقبالا حافلا من الأوساط العلمية، حيث تناول الكاتبان فكرة تفسير الظواهر والخوارق غير الطبيعية من منظور علمي ومنطقي، وأن هذا يفسر الكثير من السلوكيات البشرية الغريبة.

لم تكن هذه التجربة الأولى في الواقع، إذ سبقتها تجارب أخرى لإخضاع الظواهر غير الطبيعية، للتفسير العلمي والمنطقي والنفسي، حيث أشار الفيزيائي جون فيراير في إحدى مقالاته عام 1813م إلى أن رؤية الأشباح والكائنات الغريبة ما هي إلا خدع بصرية بحتة، وتلاه سلسلة من المقالات قدمها الفيزيائي أليكساندر بويسمونت عام 1815م، أي بعدها بعامين فقط، تناول فيها موضوعات متعددة صنفت أنها من الخوارق؛ مثل السرنمة والأحلام والهلاوس، وأكد ما سبقه إليه زميله جون فيراير بأن كل هذا ليس سوى هلاوس بصرية وسمعية.

تلى ذلك ، عددًا من المقترحات لأكثر من كاتب على مدار السنوات التالية ، أكد فيها الخبراء من الكُتّاب والمؤلفين والعلماء ، بأن كل ما هو متعلق بالروحانية وأساليب الروحانيين ، وكل ما هو واقع تحت تصنتيف خارق أو غير طبيعي  ، ماهو سوى إيهام وخداع بصري ، ييلجأ له الوساطاء الروحانيون كما يسمون أنفسهم ، لإيهام العقل لباطن للمريض ، بأنه يعاني أو يمتلك قدرات لا يمتلكها غيره من البشر ، وأن كل ما يمرون به ماهو سوى اضطرابات عقلية ، تتباين فيما بينهم من الضعف للشدة وفقًا لحالة المريض.

وقد حاول الكثير من العلماء ، التأكيد على أن كل ما يمر به البشر من تجارب وظواهر يسمونها بالخارقة ، ماهو سوى إيحاءات وتنويمات مغناطيسية ، يخضع فيها العقل لسيطرة شخص آخر ، مثلما فعل الطبيب النفسي ليونيل ويذرلي ، والساحر نيفيل ماسكيلين ، اللذان نشرا كتابًا مشتركًا لهما ، يوضحان فيه أن كل ما له علاقة بالأشباح والماورائيات ليست سوى أوهام.

شهدت فترة التسعينات من القرن الماضي تأكيدا أكبر لتلك الفكرة، حيث أكد المؤلف ألبرت مول بأن كل ما يطلق عن العلوم المسيحية وما يتعلق بها من سحر وروحانيات ليست إلا خدعة تستخدمها أولئك الذين يمارسون التنويم لجعل الضحية تصدق أنها تمتلك قدرات غير عادية، ومن ثم يبدأون بالسيطرة على عقلها بشكل أكبر وأكثر شمولا، مع تعزيز فكرة الخوارق والأشياء الخارقة للعلم تماما، وهذا ما أكده العديد من المتخصصين في علم النفس.

الرؤية لا تستوجب التصديق

حاول باحثو علم النفس ، إثبات وجهة نظرهم بطرق شتى ، كان أبرزها الدراسات التجريبية ، لتقديم أدلة مادية على صحة معتقداتهم ، بأنه لا وجود لما يعرف بالماورائيات ، وإنما فقط اتحاد أو امتزاج لعدد من العوامل النفسية مع العوامل الفيزيائية ، فتخلق ما أشيع بأنه خوارق وظواهر ما ورائية.

يهتم علم نفس الغرائب بالتحليل النقدي لكل ما يُلاحظ، فليس كل شيء يجب أن يُصدَّق، بل يتوقف الأمر على تحليلك للمعلومات والبحث عن الثغرات التي يمكن أن تقودك إلى الحقيقة.

بعض الظواهر مثل الأشباح والأطباق الطائرة وتجارب التواصل الروحي لا تحتاج إلا إلى نظرة متأنية وتحليل منطقي. بدلا من تحويل الحقائق إلى أمور غير منطقية تناسب الجلسات والعشاءات الاجتماعية فقط. يمكن أن تكون الأشباح مجرد اختلاف حراري فيزيائي في منطقة معينة داخل الغرفة التي تجلس فيها لأسباب معينة، وهذا ما يجعلك تشعر بارتفاع درجة الحرارة في جزء من منزلك، ولا يرتبط بوجود أشباح تظهر في أوقات محددة. لذا، يجب تفسير هذه الظواهر من وجهة نظر علماء النفس الغرائب بواسطة تحليلات منطقية أكثر بدلا من اعتبارها أمورا خارقة للطبيعة.

تفسير علم نفس الغرائب للظواهر الماورائية

أجرى علماء النفس التجارب العملية لتفسير العديد من الظواهر الخارقة أو القدرات الماورائية التي انتشرت بين العامة، وقدموا في السطور التالية أبرز التفسيرات النفسية لتلك الظواهر الخارقة من وجهة نظر علم نفس الغرائب.

الأماكن المسكونة بالأرواح  Haunting

من المؤكد أنك قد قرأت أشياء كثر ، بشأن الأماكن المسكونة بالأرواح ، أو تلك التي لم تتركها أرواح معذبة ومتعلقة بها ، ولهذا بدأ كليمبيرير أحد علماء نفس الغرائب ، في عام 1992م  بتجربة نفسية متعلقة بالأشباح ، خضع فيها عدد من الأشخاص للتنويم المغناطيسي ، ليخرج علينا كليمبيرير مؤكدًا أن ما يراه الناس من أشباح ، ليس سوى هلاوس تنويمية أشبه بالأحلام ، التي يعيشها بعض البشر عندما يكونوا في حالة بين النوم واليقظة.

في عام 1997م، قدم الباحثان لانج وهوران تجربة نفسية جديدة، تتعلق بالأشباح والأماكن المسكونة، حيث حصلوا على موافقة 22 متطوعا للمشاركة في تجربة زيارة ميدانية إلى إحدى الأماكن، وأكدوا على نصف المشاركين أنهم سيقومون بزيارة مكان مسكون بالأشباح وأنه عليهم أن يكونوا حذرين، في حين أكد النصف الآخر أنهم سيقومون بجولة لتجديد مكان مهدم وعليهم إعادة إعماره.

تم تطبيق الاختبارات المعرفية المطلوبة على المشاركين، وكانت النتائج مدهشة، حيث أقر المشاركون الذين يؤمنون بوجود الأشباح بأنهم رأوا فعلا أشباحا في المكان، بينما لم يسجل المشاركون الآخرون أي نتائج في هذا الصدد، وأكد الباحثان مرة أخرى من خلال تجربتهما أن رؤية الأشباح هي مجرد وهم يتم تحقيقه من خلال اختراق العقل الباطن للضحية لإقناعه.

وأكد وايز مان في عام 2003م، بأن ما يسجله الناس بشأن رؤية الأشباح ، يعود لقلة معرفتهم بأمور متفرقة لها علاقة بالتفسيرات العلمية المنطقية ، مثل مستوى الإضاءة والتغييرات الفيزيائية في الحقول لمغناطيسية وخلافه ، ما يجعل شهادتهم بشأن بعض الأماكن غير منطقي ومجرد هلاوس أو مبالغات.

الوساطة الروحية Medium ship

تشبه الوساطة الروحية الأشباح ورؤيتها، ويعتبرها الكثيرون من الخوارق الموجودة في العالم، ولكن علماء علم النفس يؤكدون أن تجارب الوساطة الروحية لا تتعدى أمورًا نفسية، وذلك استنادًا إلى الدراسات التجريبية التي أجريت في هذا الشأن.

أكد علماء علم النفس أن ما يفعله الوسيط الروحاني هو استخدام ما يسمى بالقراءة الباردة؛ وهو القدرة على التعرف على حياة الشخص المقابل من خلال ملابسه وطريقة حديثه والمجوهرات التي يرتديها. وقد أكد العالم وايزمان ذلك من خلال سلسلة من التجارب الوهمية لجلسات الوساطة الروحانية، حيث أقنع مجموعة من الأشخاص بالمشاركة في تجربة روحانية، بعضهم يؤمن بالخوارق والبعض الآخر لا يعتقد بها على الإطلاق. ثم قام بإيهامهم بأن الطاولة التي يجلسون عليها قد ارتفعت عن الأرض، على الرغم من عدم حدوث ذلك فعليا. وفي الواقع، أبلغ ثلث من المتطوعين في التجربة بأن الطاولة فعلا تحركت، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا هم من حركها. وأكدت هذه التجربة أن أولئك الذين يؤمنون بالظواهر الخارقة وغير الطبيعية هم الأكثر عرضة لتصديق الأمور الخارقة دون البحث عن تفسير منطقي أو علمي أو نفسي لها.

الاستشفاء الروحاني (الماورائي)  Paranormal Healing

أثبتت الدراسات العلمية أن التجارب الروحانية التي يقدمها المعالجون الروحانيون للمرضى بوساطة روحانية لا تؤدي إلى أي شفاء أو علاج للأمراض العضوية، وهي مجرد وهم كبير، لذلك لا ينبغي الاعتماد على المعالجون الروحانيين فقط في علاج الأمراض.

قام بيوتلر في عام 1988 بتنفيذ تجربة على مجموعة من المتطوعين، بهدف اختبار المعالجة الروحانية كوسيلة لتخفيض ضغط الدم المرتفع. وتم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات مختلفة. خضعت المجموعة الأولى للعلاج الروحاني عن طريق اللمس، بينما تم تطبيق العلاج الروحاني عن بعد على المجموعة الثانية. أما المجموعة الثالثة فلم يتم تطبيق أي علاج روحاني عليها. أظهرت النتائج أنه لا وجود لأي تأثير للمعالج الروحاني على شفاء الأمراض، وتم تفسير انخفاض ضغط الدم الذي تم تسجيله خلال التجربة بأنه ناجم عن تأثير الوهم أو تأثير البلاسيبو الذي تعرض له المشاركون قبل بدء التجربة.

قدرة التخاطر أو التليباثي  Telepathy

تعد القدرة على التخاطر أو التواصل مع الآخرين عن بعد أمرا يشغل بال الكثيرين ويثير قلقهم، وقد سيطرت هذه الظاهرة على عقول الناس. في عام 1996، قام إشينل بتجربة لفهم قدرة التخاطر عن بعد وتحليلها بطريقة علمية. لهذا الغرض، جمع إشينل مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون هذه القدرة وجمع مجموعة أخرى من الأشخاص الذين لا يؤمنون بها. ثم طرح عليهم مجموعة كبيرة من الأسئلة التي تم ترميزها بـ 20 رمزا.

تبين من النتائج أن المؤمنين بالتخاطر قد ظهروا بمبالغات قوية فيقدرتهم على التواصل مع الآخرين، وأظهروا نسبة نجاح عالية في تجارب التواصل.

وأخيرًا ؛ يمكن القول أن علم نفس الغرائب ، قد قدم العديد من التفسيرات بشأن ظواهر كثيرة تم تصنيفها بأنها من الماورائيات أو الخوارق ، ولكن التجارب العلمية قد أثبتت بالدليل القاطع ، أن أغلب ما تم التصديق فيه من هذه الظواهر ، ما هو سوى مجرد أوهام أو تنويم مغناطيسي يتم السيطرة بها على العقل اللاواعي ، فتخرج في صورة ماورائيات يؤمن بها الكثيرون ، نظرًا لافتقادهم لعنصر العلم المفسر للكثير من تلك الظواهر بالفعل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى