صلح الحديبية من أقدم المعاهدات في التاريخ
رأي النبي صلى الله عليه وسلم رؤية أفرحته فجمع أصحابه ليقص عليهم هذه الرؤية، رأى أنهم معه وزاروا البيت الحرام وأخذوا مفاتيحه وطافوا بالبيت وسعوا ثم حلقوا وقصروا. ففرح الصحابة، رضوان الله عليهم، وكبروا لأنهم سيزورون البيت الحرام الذي اشتاقوا إليه طويلا. فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهم بتجهيز أنفسهم للذهاب في عمرة. فأعد الناس واستعدوا، وأمرهم ألا يأخذوا من السلاح إلا ما يأخذه الراكب. وفي الطريق، وصل النبي صلى الله عليه وسلم خبرا يفيد أن الأحابيش يعتزمون صد الرسول صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام. ومع ذلك، انطلقوا، حيث ارتدى كل منهم ثياب الإحرام، مبتهلين وملبين، متوجهين إلى بيت الله الحرام. ولكن كان الخالد بن الوليد، قبل إسلامه، في انتظارهم مع مائتي فارس، يرغب في قطع طريقهم وينتظر الفرصة المناسبة للهجوم عليهم. ومع ذلك، لم يكن بإمكانه أن يفعل أي شيء، إذ أن الله تعالى أنزل آية الخوف التي حالت دون قدرته على العمل .
الأحداث قبل الصلح :-
خالد بن الوليد يسرع إلى قريش ليحذرهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار طريقا غير المعتاد، حتى وصلوا إلى منطقة تسمى الحديبية. وهناك، كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه المحرم ينصبون معسكرهم. في هذا الوقت، بدأت الرسل في التوسط بين الجانبين. ثم جاء رجل من خزاعة يدعى بدين بن ورقة ليحاول إقناع النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بدين، أنت تعلم أننا لم نأت للقتال، بل أتينا كمعتمرين، وقريش قد تعبوا من الحرب. فإذا أرادوا أن يتركوا الناس وأنا، فسيكون ذلك أمرا مقبولا، وإذا أرادوا المشاركة فيما يشارك فيه الناس، فوالذي بيده نفسي، لنقاتلهم حتى تنفذ سالفتي أو حتى يتم تنفيذ أمر الله. ثم عاد إلى قريش وجبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. فأرسلوا رجلا آخر ليتوسط بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسلوا ثالثا ورابعا، ولم يتمكنوا من إقناع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، فجاء وحاول إقناع النبي صلى الله عليه وسلم بالتراجع، وقال له: لا أحد يقاتل أهله. ثم قال: إنما أرى أشخاصا متعنتين سوف يتركونك. فغضب أبو بكر الصديق رضي الله عنه بغضب شديد، وقال: أنحن نفر من جنبه؟ ألم تذكروا ما حدث في معركة بدر؟ ألستم تتذكرون أي شخص يفعل ذلك.
فرجع إلى قريش فقال لهم يا معيشر قريش لقد دخلت على الملوك ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدِ محمدًا إنهم يتقاتلون على وضوئه إذا تكلم نفذوا أمره و إذا سمعوا صوته خفضوا أصواتهم ما رأيت أحدًا يعظم ملكه و سيده كما يعظم أصحاب محمد عليه الصلاة و السلام ثم عرض عروة على قريش الصلح .
إرسال أول سفير لمفاوضة :-
عندما علم الشباب الطائشون في قريش أن قريش تعتزم التصالح مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لم يكونوا راضين عن ذلك. أصابهم الحماس وجمعوا مجموعة من سبعين شابا من قريش، وتسللوا من خلف مكة بهدف محاربة النبي صلى الله عليه وسلم. ولكنهم تم القبض عليهم جميعا بواسطة محمد بن مسلمة، الذي كان قائدا للفرقة المكلفة بحماية النبي صلى الله عليه وسلم. وتم أسرهم جميعا وجلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم إرسال رسول من جانبه إلى قريش، وكان ذلك عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لأن له عشيرة في مكة تحميه ،
بداية أمر بيعة الرضوان :-
فخرج و دخل إلى مكة فإستقبله كفار قريش فقال لهم أن رسول رسول الله صلّ الله عليه و سلم و قال لهم جئت أعرض عليكم صلحًا فجاء عثمان أحد المشركين فأجاره و أدخله إلى مكة وجلس عندهم عثمان رضي الله عنه يفاوضونه و طالت المدة بسبب طول المحادثات حتى أشيع بين الناس أن عثمان قتل فإذا بالنبي صلّ الله عليه وسلم يأمر الصحابة بالبيعة على القتال و كان عندهم شجرة سميت بعد هذا بشجرة الرضوان و كان النبي صلّ الله عليه وسلم تحتها فجاء الصحابة يبايعون رسول الله واحدًا واحدًا يبايعون الرسول صلّ الله عليه وسلم على الموت دونه فأنزل الله عزوجل { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } (سورة الفتح 18) و بعد البيعة جاء عثمان رضي الله عنه و أخبرهم بما جري بينه و بين قريش و انتظر الصحابة لأن قريش تريد الصلح .
بداية المفاوضات بين قريش و المسلمين :-
أرسلت قريش رجلا للتفاوض، فأرسلوا سهيل بن عمرو. وعندما رأى النبي الرجل من بعيد، قال: هذا سهيل، سهل لكم أمركم. وقال سهيل: جئت لأعرض عليكم الصلح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما الصلح الذي تطلبونه
شروط قريش على النبي صلّ الله عليه وسلم :-
أولا، قال أن يرجعوا في عامهم هذا ويأتوا في العام المقبل، وألا يحملوا من السلاح إلا مثل ما يحمله الراكب. ثانيا، من أراد أن ينضم إلى اتفاقكم فلينضم، ومن أراد أن ينضم إلى اتفاق قريش فلينضم. ثالثا، أن نضع الحرب بيننا وبينكم لمدة عشر سنوات. رابعا، من خرج من قريش هاربا وعنده إبل، فلترده إلى محمد ومن خرج من محمد إلى قريش فلا يرده، وذلك قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يرغب في الصلح. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب ليكتب الاتفاق.
سجل سيدنا علي رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم. قال سهيل: “نحن لا نعرف الرحمن.” فرد النبي قائلا: “اكتب بإسمك، يا الله.” وقال له النبي: “اكتب.” ثم سجل هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجلها علي. فقال سهيل: “لو علمنا أنك رسول الله، ما قاتلناك وما صدناك عن البيت الحرام. بل أكتب محمد بن عبد الله.” فقال علي: “ولله، لا أمحوها.” فقال النبي لعلي: “أشر لي بها.” ومحاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهم يكتبون الكتاب. جاء إلى النبي رجل هارب أسلم، اسمه أبو جدل بن سهيل، الذي يعقد الصلحفلما رأى أبو جدل النبي قال: “هذا أول ما أقاضيك عليه.” فرد عليه الرسول قائلا: “لم نقض الكتاب بعد.” فقال أبو جدل: “إما أن ترد علي هذا، وإلا لا يكون هناك صلح بيننا.” حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يقنعه، لكنه لم يرض. وتم الصلح في شهر ذي القعدة سنة السادسة للهجرة، في شهر مارس من السنة 628 هجرية. ثم عاد سهيل وأخذ ابنه معه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “احلقوا رؤوسكم واذبحوا هديكم، لا عمرة هذه السنة.” فلما حلق الرسول رأسه، قام الصحابة جميعا وحلقوا رؤوسهم وأنهوا الإحرام، ولم يزورا البيت تلك السنة ..
شعر الصحابة بالهم والغم بسبب هذا الصلح الذي اعتبروه ذلا لهم، عندما عاد النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة إلى المدينة، أنزل الله تعالى هذه الآية: `إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما` (سورة الفتح)
تعديل شروط الإتفاقية:-
بعد ذلك جاء أبو بصير مسلما لرسول صلى الله عليه وسلم ولحق به اثنان من قريش ليأخذوه، فذهب معهم وفي الطريق قتل أحدهم وعاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج حتى لا يحرج النبي مع قريش، ولم يعود إلى قريش، بل ذهب إلى مكان بين مكة والمدينة ولحق بهم أبو جدل وكلما هرب أحد لحق بهم وتكونوا فريقا يقطع الطريق على مكة، فجاء من قريش وفدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يترجون النبي أن يعدل هذا الشرط من المعاهدة، فكانت بداية النص .