صقر قريش عبد الرحمن الداخل
شخصية مهمة جدا في التاريخ الإسلامي هي عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش، الذي أسس الدولة الأموية في الأندلس، ويمكننا التعرف عليه بشكل أفضل من خلال دراسة سيرته الذاتية .
تاريخ الميلاد و محل الميلاد :
وُلد عبد الرحمن الداخل في دمشق، الشام، في عام (113، 731 هـ)
النشأة :
عندما نعود إلى نشأته نعلم أن من الطبيعي جداً أن يصل إلى هذه المكانة، حيث أنه حفيد “هشام بن عبد الملك الأموي القرشي” عاشر خلفاء بني أمية ، و في عهده بلغت الإمبراطورية الإسلامية أقصى اتساعها ، و من أهم إنجازاته أنه قام بتشجيع العلماء، وأهتم بالبناء وأشتهر عهده بنظام العمارة الأموية، وأرسى الأمن في أرجاء الدولة، وفتح العديد من البلدان وأرسل الرسل ونشر الإسلام في بلاد ما وراء النهر والهند والسند وغيرها من البلدان، و عمل على تطوير الزراعة ونظام الري، وأهتم بالترجمة وساند العلماء والفقهاء وجلب المفكرين والعلماء إلى دمشق
وأنشأ المكتبات والمطابع ودور العلم ، وكانت دمشق في عهده منارة للعلم والحضارة ، فورث عبد الرحمن من جده الشجاعة و الحكمة ، كما أن جده هو الذي تولى تربيته بعد موت والده في سن مبكرة، و كان يرى فيه أهلا للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء ، و لذلك كان دائماً يفضله أكثر من أخوته و يقدم له الهدايا .
سقوط الدولة الأموية :
عندما وصل عبد الرحمن إلى مرحلة الشباب ،و أصبح يتقن الحرب و الفروسية انقلب العباسيون على الأمويين و قاموا بقتل الأمراء و أبنائهم و أحفادهم ،حتى لا يتمكنوا من استرداد ملكهم مرة أخرى ، و عندما كان عبد الرحمن جالس في منزله مريض دخل عليه أبنه الذي يبلغ من العمر أربع سنوات يبكي من الخوف فحاول عبد الرحمن تهدئة الطفل ، و لكن الطفل ظل يبكي و عندما سأله عن ما يبكيه أحبره أن هناك أشخاص مفزعين رافعين رايات سوداء ، يتجهون إلى المنزل فعلم عبد الرحمن أنه مطلوب فهرب إلى نحو الفرات ، و عندما كان عبد الرحمن في منتصف نهر الفرات هو و أخيه الوليد الذي يبلغ من العمر فقط الثالثة عشر عاماً ،حاصر العباسيون النهر ناداهما العباسيون بأن يعودون مرة أخرى و لهم الأمان ، و للأسف صدق الوليد هذا و قرر العودة و حاول عبد الرحمن منعه، و لكن الوليد أصر قائلاً لقد أعطونا الأمان، و عندما عاد قام العباسيون بقتله أمام أعيون عبد الرحمن دون أن يتمكن من إنقاذ أخيه .
فرار عبد الرحمن الداخل إلى المغرب :
هرب عبد الرحمن إلى المغرب ثم عبر الحجاز ومصر وليبيا، وفي النهاية وصل إلى صحراء شمال إفريقيا واختبأ فيها لمدة خمس سنوات، حيث عاش بين قبائل البربر .
دخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس :
هل سيظل عبد الرحمن مختبئا طوال حياته بعد أن بلغ الرابعة والعشرون من عمره؟ إلى متى سيستمر في التفكير في ما وصل إليه؟ إنه حفيد رجل شجاع تنبأ له بمستقبل باهر. وبناء على ذلك، قرر عبد الرحمن السعي حتى الموت لاستعادة مملكة عائلته. قام عبد الرحمن بمراسلة الأمويين في الأندلس لطلب استقباله، وأرسل العديد من الرسائل إلى الأشخاص هناك. وبعد معاناة، وصلت له رسالة بالموافقة. ووصل عبد الرحمن إلى الأندلس وفي ذلك الوقت كان الإسلام على وشك الزوال من الأندلس. قرر عبد الرحمن مراسلة العائلات هناك، وبدأ يجتمع بالناس في حصن طرش، منزل أبي عثمان، لاستعادة عزة الأندلس مرة أخرى. نجح في إعادة توحيد العديد من عائلات الأمويين، وليس هذا فحسب، بل انضم إليه أيضا العديد من البربر .
معركة عبد الرحمن الداخل مع والي لأندلس :
أرسل عبد الرحمن إلى “يوسف الفهري” آخر ولاة الأندلس من أجل إعادة مكانة الإسلام في الأندلس مرة أخرى ، و لكن يوسف الفهري فكر في أن وضع يده في يد عبد الرحمن سليل الأمراء ،سوف يكون هو القائد و يقضي على حكمه و لذلك رفض ، فأرسل إليه عبد الرحمن مرة أخرى فرض أيضاً فأرسل له مرة ثلاثة و لكن في هذه المرة قرر يوسف الفهري في أن يجمع الجيش و يحاربه ، علم عبد الرحمن الداخل بأن يوسف الفهري سوف يحاربة ، لم يجد أمامه حل أخر غير اللجوء إلى اليمنيين في إشبيلية ، حيث أن أبو الصباح اليحصبي زعيم القبائل اليمنية في إشبيلية على خلاف شديد مع يوسف الفهري ، و بالفعل رحب اليحصبي بالوقوف مع عبد الرحمن الداخل ضد الفهري ، و حصل الداخل على مبياعة خمسة ألاف يمني ، و هنا حدثت معركة المصارة و التي انتهت بفوز الداخل و اليحصبي ، و الجدير بالذكر أن الداخل في هذا الوقت كان يبلغ من العمر فقط الخمسة و العشرون عاماً .
نال عبد الرحمن الداخل حب الشعب في الأندلس وأنهى عصر الولاة
كان لعبد الرحمن الداخل العديد من المواقف النبيلة ، حيث عندما هرب الفهري، أمر الداخل جيشه بعدم مطاردته أو محاولة قتله، إذ كان يسعى للوحدة وليس القتال. وليس هذا فحسب، بل قام الداخل أيضا بحماية عائلة الفهري وتأمين خروجهم، وكان له العديد من المواقف التي جعلت الشعب يحترمه ويحبه. في النهاية، أعلن أن الأندلس ليست تابعة للخلافة، وأنهي عصر الولاة ليصبح الداخل أميرا للأندلس بدلا من الخليفة .
إنجازات عبد الرحمن الداخل بعد توليه حكم الأندلس :
ظل حلم التوحيد يراود الداخل، لذا قرر وضع خطة لتحقيق حلمه. وبالطبع، كانت الأندلس تواجه الكثير من المشاكل التي جعلتها تقترب من الانهيار. أصدر قرارا ينص على أن أي شخص يمني أو حجازي يشارك في هذا العمل سوف تساعدهم الدولة في نجاح هذا المشروع وتمنحهم أرضا للإقامة. قدم الكثير حتى تمكن في النهاية من توحيد شعب الأندلس .
النهوض بالأندلس :
بالرغم من صقر قريش كما أطلق عليه حقق حلمة في الوحدة ، لم يشعر أن هذا يكفي فيجب عليه أن يعيد إلى الأندلس مكانتها القوية في كل شيء ، لذلك أهتم بتقوية الجيش حتى أصبح لدى الأندلس جيش قوي جداً حيث بلغ جيش عبد الرحمن الداخل مائة ألف جندي من المتطوعين والمرتزقة ، و أهتم بالعمل و الثقافة و ساعد العلماء حتى يعيد للأندلس مكانتها العلمية ، و ليس هذا فقط أهتم أيضاً بالعمارة و أنشاء الكثير من المساجد .
لماذا أنهى عبد الرحمن الداخل الخلافة بالأندلس :
قد ينتقد البعض عبد الرحمن الداخل على هذا القرار ، و لكنه فعل هذا من أجل حماية الإسلام في الأندلس ،حيث أن كان هناك الكثير من الفتن بين العباسيين و الأمويين ،التي تسببت في أكثر من خمسة و عشرون ثورة بالأندلس قضى عليها عبد الرحمن الداخل، و إذا أصبحت الدولة تحت خلافة احدهم سوف يؤدي هذا إلى سقوط الأندلس بشكل كامل .
وفاة عبد الرحمن الداخل :
استمر حكم عبد الرحمن الداخل لمدة أربعة وثلاثين عامًا، وقام خلال هذه الفترة بتحقيق العديد من الإنجازات التي ذكرنا بعضًا منها، وفي عام 172 هـ، توفي هذا الشخص العظيم من قريش، وترك أعماله المخلدة في التاريخ، ويوجد له تمثال حتى اليوم في مدينة المنكب جنوب إسبانيا تقديرًا وتخليدًا لذكراه .