صفات عمر بن عبدالعزيز .. الشخصية والجسدية
من هو عمر بن عبدالعزيز
عند سماع اسم عمر بن عبدالعزيز، أول ما يتبادر إلى ذهنك هو العدل، وذلك بسبب ارتباط اسمه بالعدل. لا يذكر اسمه إلا مع ذكر العدل. فقد سار على خطى جده الفاروق عمر بن الخطاب. فترة خلافته كانت مليئة بالإنجازات. تحمل مسؤولية الخلافة وإدارة شؤون المسلمين منذ اللحظة الأولى ولقب بأمير المؤمنين. وقال جملة مشابهة لجده عمر بن الخطاب: `لو أن سخلة هلكت على شاطئ الفرات، لأخذ بها عمر يوم القيامة`.
اسمه ونسبه وكنيته:
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي الأموي، المدني ثم الدمشقي، كنيته أبو حفص ككنية جده بن الخطاب رضي الله عنه، ولد بالمدينة المنورة سنة ستين هجريا، ووالده عبد العزيز بن مروان بن الحكم، واشتهر بالكرم والشجاعة والجود، وكانتمت لأفضل الأمراء. وكانت والدته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولقبها أم عاصم.
صفات عمر بن عبد العزيز
صفات عمر بن عبدالعزيز الجسدية
كان رضي الله عنه رجلًا ذا وجه مليح ونحيف وجذاب، ورقيق الجسم وبشرته بيضاء، وعيناه غائرتان ولحيته جميلة، وكانت تظهر على جبهته آثار حفرة دابة، وهذا يعد سببًا في تسميته “أشجّ بني أميّة”، وكان شعره يتداخل بين الشيب والأسود.
صفات عمر بن عبدالعزيز الشخصية
- كان رضي الله عنه سخيا وكريما، ينفق على الفقراء والعلماء والمساكين والمحتاجين في سبيل الله، ولا يسعى بهذا إلا لتحقيق رضا الله، ولا يروم بهذا أن يتفوق على الآخرين، ولا يتردد في الإنفاق مهما كانت كميته وقيمته. وقال رضوان الله عليه في ذلك: “لم أعط أحدا مالا إلا وأنا أعتقد أنني أستحقه، وأشعر بالخجل من الله عز وجل أن أطلب الجنة لأخ من إخوتي وأكتفي بالدنيا. فإذا حان يوم القيامة، سيقال لي: لو كانت الجنة بيدك، لبخلت بها.
- كان رضي الله عنه صائما متقويا شديد الخشية من الله تعالى، وكانت علامات الإحسان والتقوى واضحة عليه منذ صغره، وساعده على ذلك مراقبته المشددة لله تعالى واستماعه للمواعظ من الزاهدين والنصائح من الصادقين، وكثرة اجتماعه بالعلماء وتذكره الموت والوقوف أمام الله عز وجل. فكان كلما تذكر الموت، تهتز أعضاؤه وينفض كالطير، وتدمع عيناه حتى تتدفق الدموعه على لحيته.
- كان رضي الله عنه رجلا قنوعا زاهدا، عاش هو وأسرته بما يكفيهم ويشبعهم من القناعة، فقبل أن يصبح خليفة، كان يرتدي قميصا من الحرير الناعم جدا، ويقول: `لو لم يكن به خشونة، لكان أفضل.` وكان يرتدي مجوهرات تقدر قيمتها بألف دينار. ولكن عندما تولى الخلافة وأصبح مسؤولا عن الخزائن، ارتدى ثيابا سميكة، ويقول: `لو لم يكن بها نعومة، لكانت أفضل.` وثمنها لا يتجاوز عشرة دراهم، وكان ينفق درهمين يوميا ويتناول العدس والغليظ كطعام، ولا يهتم أو يبالي بأي شيء من الترف.
- كان شديد التواضع لا يتكبر على أي شخص من عباد الله، ولم تزده الخلافة إلا تواضع ورحمة ورأفة، فكان يقوم بإصلاح سراجه بنفسه، ويجلس على الأرض بين الناس، ويأبي ان يسير بين الحراس، ويعنف من يقوم بتعظيمه أو يقوم بتخصيصه بسلام بين الجالسين، ولا يتميز بين الناس بمأكل أو ملبس أو مشرب أو مركب، فعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي رجاء بن حيوة: “ما أكمل مروءة أبيك! سمرت عنده، فعشي السراج، فقال لي: ما ترى السراج قد عشي؟ قلت بلى. وإلى جانبه وصيف راقد، قلت: أفلا أنبهه؟ قال: لا، دعه يرقد، قلت: أفلا أقوم أنا؟ قال: لا، ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه. قال: فوضع رداءه، ثمّ قام إلى بطة زيت معلّقة فأخذها، فأصلح السراج، ثمّ ردّها في موضعها، ثمّ رجع وقال: قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عمر بن عبد العزيز”.
- كان رضي الله عنه يتميز بالتروي والتثبيت والحلم والأناة، والتفكير والتمهل والابتعاد عن الغضب، ما لم يتعلق الأمر بانتهاك حرمات الله.
- كان رضي الله عنه يكره الكذب ويمتنع عنه، وتربى على الصدق، ولم يتحدث بالكذب إلا إذا اضطر إلى ذلك بسبب الضرورة.
- منذ صغره كان يحب العلم، وجالس كبار الفقهاء والعلماء والمحدثين، يقول رضي الله عنه: `لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم، إلى العربية والشعر، فأصبت منه حاجتي`.
أشياخ عمر بن عبدالعزيز وبعض أعيانهم
حضر رضي الله عنه العديد من الصحابة ومن كبار التابعين، فمن الصحابة: أنس بن مالك، وسمع منه، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعمر بن أبي سلمة المخزومي، والسائب بن يزيد، ويوسف بن عبد الله بن سلام. وأرسل عن عبادة بن الصامت، وعقبة بن عامر، وعائشة، وخولة بنت حكيم، وغيرهم.
وقام بالرواية عن مجموعة من كبار التابعين وهم : يشمل هؤلاء الأشخاص: ابن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوفوعامر بن سعد بن أبي وقاص وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو بردة بن أبي موسى وابن شهاب الزهري وغيرهم.
قام الإمام الحافظ الباغندي بتصنيف الأحاديث التي رواها عمر في مسنده الشهير، وكان عدد شيوخ عمر الذين رووا هذه الأحاديث في هذا المسند ثلاثة وثلاثون شيخًا، بينهم ثمانية من الصحابة، وخمسة وعشرون تابعًا.
إنجازات عمر بن عبد العزيز
- قام بتطبيق مبدأ الشورى منذ أول يوم في توليه الخلافة، وقال للناس: `أيها الناس، لقد واجهت هذا الأمر بدون رأي سابق مني، ولم أطلب الاستشارة من المسلمين، ولقد ألغيت الولاء الذي كنتم تجاهلونه`، فاختاره الناس وأعطوه البيعة، وبهذه الطريقة تجاوز مبدأ توريث الولاية الذي كان يسود في معظم خلفاء بني أمية، وحوله إلى مبدأ الشورى.
- قام العدل بالتأسيس في كل مكان، ومحاربة الظلم ورد الانتهاكات واسترداد الأموال من بني أمية التي ليس لهم حق فيها. أمر الولادة بالقيام بذلك، وبدأ بنفسه في رد الانتهاكات. وفيما يتعلق برد الانتهاكات، قال عمر بن عبد العزيز: `يجب ألا أبدأ بالانتهاكات بنفسي`. ثم نظر إلى ما كان بحوزته من أراض أو ممتلكات، وبينما كان يفحصها، انتبه إلى حلقة خاتم، وقال: `هذا مما أعطاني الوليد بن عبد الملك من أراضي المغرب`. ثم قدمها.
- بلغ حرص الخليفة عمر بن عبدالعزيز إلى درجةٍ أنه قام بنزع الحلي من سيفه، وقال عبدالعزيز بن عمر: “كان سيف أبي محلّى بفضّةٍ فنزعها وحلّاه حديداً”، وقام بإقامة الحدود وتقديسها، وأعلن أنها مثل إقامة الصلاة أو الزكاة، واختار الولاة الأكثر كفاءةً وأمرهم بتطبيق العدل
- حظر المضحكات بجميع أشكالها، وألغى الحراسة، وأمر بفتح جميع الأبواب للناس، وجعل الناس يستهزئون بالأمراء، وقال لهم: `من ارتكب ظلما فليأتني ولا يحق له أن يأذن له على ذلك`، منع الولاة من ممارسة التجارة أو أي عمل آخر، حتى لا يستغلوا مناصبهم، ويتمكنوا من رعاية الناس، ومنحهم حرية إدارة شؤون البلاد، باستثناء جريمة القتل التي يجب استشارته فيها.
- تم تعزيز مكانة العلم بتدوين الأحاديث وتقديم رواتب للعلماء وطلاب العلم، لتمكينهم من التفرغ للعلم بشكل كامل.
- يتم إعادة حرمة المال، وأعلن أن المال للإصلاح وليس للتخزين، لذلك لم يتم إنفاق المال إلا في الأمور الحقيقية والمشروعة.
- ألغى جميع أعمال الحجاج وأحكامه الظالمة، وفرض الجزية على من أسلم، سواء عربا أو موالين، في العطايا، وكان مناديه ينادي كل يوم: أين المديونون؟ أين المتزوجون؟ أين المحتاجون؟ أين الأيتام؟ حتى أثرى كل هؤلاء، فلم يبق محتاجا، ولا من يقبل الصدقة، وقام بتعيين الخدم لأصحاب الأمراض المزمنة والأيتام.
- قام بتصليح الزراعة والتجارة والاقتصاد، وحد المكيال، نشر الإسلام في جميع أنحاء الأرض، ودخله ملوك الهند والسند والبربر.
- ناقش أصحاب المذاهب مثل الخوارج والقدرية، وعاد معظمهم إلى الصواب.
- ينبغي احترام آل البيت وإكرامهم بالهدايا وإعادة ما كانوا يأخذونه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما يتعين علينا السماح لهم بالدخول بدون إذن إذا كانوا بحاجة.
جميع إنجازات عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه تمت خلال فترة حكمه التي استمرت سنتين وخمسة أشهر وبعض الأيام.
أقوال العلماء والأئمة في عمر بن عبدالعزيز
على الرغم من عدم اعتبار عمر بن عبدالعزيز من الصحابة، إذ لم يكن حينها صحابيا، إلا أنه كان يتمتع بأخلاقهم العالية، وقد وصفه الأئمة والعلماء بذلك
- قال وهب بن منبه: قال بعض العلماء مثل ابن المسيب والحسن البصري ومحمد بن علي وغيرهم: إذا كان هناك مهدي في هذه الأمة ، فسيكون هو عمر بن عبد العزيز.
- وقال الأئمّة سفيان الثوري والشافعي وأبو بكر بن عياش: الخلفاء الراشدون هم خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.
- وقال الإمام أحمد بن حنبل: يتم ذكر في الحديث أن الله تبارك وتعالى يرسل شخصًا ليجدد دين هذه الأمة على رأس كل مائة عام. وعند النظر إلى القرن الأول، وجدنا أن عمر بن عبد العزيز هو الشخص المرسل، وعند النظر إلى القرن الثاني، وجدنا أن الشافعي هو الشخص المرسل.
- وحدّث مالك بن دينار فقال: عندما تولى عمر بن عبد العزيز الحكم، قال أناس رؤوس الجبال: من هذا العبد الصالح الذي يحكم على الناس؟ فسئلوا: كيف تعرفون ذلك؟ فأجابوا: إنه إذا حكم على الناس خليفة عادل، كف الذئاب عن الهجوم على الغنم.
- أثنت فاطمة بنت علي بن أبي طالب على عمر؛ وقالت: لو بقي لدينا ما نحتاجه بعد ذلك إلى أي شخص.
- وقال فيه الإمام أبو جعفر الباقر: لكل قوم نجيبة، ونجيبة بني أمية هو عمر بن عبد العزيز، وسيبعث وحده أمة في يوم القيامة.
أقوال عمر بن عبد العزيز وحكمه ووصاياه
- كنا نحن وبنو عمنا من بني هاشم نتبادل الزيارات بيننا، وكنا نلجأ إليهم ويجدون لجأتهم فينا، ولكن حين طلعت شمس الرسالة، أظهرت حقيقة كل نافق، وكشفت كل منافق، وسكّت كل ناطق.
- من يذكر الموت كثيرًا يرضى بالدنيا بالقليل، ومن يخفف من كلامه يقلل من أعماله إلا فيما ينفعه. إن الله لا يعاقب الجميع بسبب أفعال قلة، وعندما يظهر الخطأ ولا يتم تصحيحه يتأثر الجميع.
- يعجبني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه، ومن عرف الدنيا فركن إليها.
- لا ينفع القلب إلا ما خرج منه.
- القلوب هي أوعية السرائر، والألسنة هي مفاتيحها، لذلك يجب على كل شخص الحفاظ على مفتاح وعاء سره.
- إن العلم والعمل هما شيئان مترابطان، فكن عالمًا بالله وعاملًا له، فإن بعض الناس يتعلمون ولا يعملون، فيصبح علمهم عليهم ضررًا وبلاءً. يكفي أن القدر حاجزًا والموت حارسًا.