صفات شمس ليلة القدر
تحمل شهر رمضان الكريم للمسلمين كل عام ليلة من أفضل الليالي وهي ليلة القدر، التي يطلع عليها الشمس، وتعادل العبادة فيها لألف شهر، بل هي خير من العبادة لألف شهر، كما قال سبحانه وتعالى: `ليلة القدر خير من ألف شهر`. وأوصانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالاجتهاد في هذه الليلة، بإحيائها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، ولها علامات ذكرها النبي في السنة النبوية الشريفة.
صفات شمس ليلة القدر
لم يخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيوم وقوع ليلة القدر على وجه التحديد ولم يذكر ذلك كذلك في القرآن الكريم، ولعل في ذلك دعوة لكي يجتهد الجميع في كافة ليالي الشهر الفضيل فلو علمها النبي -عليه الصلاة والسلام- للمسلمين لتكاسل كثير منهم عن التعبد بقية الشهر ولخصوها بالتعبد دون عن غيرها.
لكن هناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي حدثنا من خلالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن علامات ليلة القدر، وهي أنها ليلية فردية تأتي في العشر الأواخر من شهر رمضان كما حدثتنا السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- :”تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في الوِتْر من العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ“.
ومن العلامات الأخرى التي وردت في ليلة القدر هي شروق شمسها صافية لا شعاع لها، وهذا ما حدثنا به أبي بن كعب -رضي الله عنه فقال:”…. أخبَرَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تطلُعُ يومَئذٍ لا شُعاعَ لها“، وفي لفظ آخر عن أبي بن كعب أيضاً :”وأمارَتُها أن تطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها“.
وفقًا للحديث الصحيح عن أبي كعب عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فإن شمس ليلة القدر تتميز بصفتين هما:
- يكون قرص الشمس أبيض.
- تشرق الشمس بلا شعاع.
سنوافيكم بالحقائق المتعلقة بالجانب العلمي والشرعي لتحقق هذا العلامة.
حقيقة شمس ليلة القدر
هناك إشكالية متعلقة بشمس ليلة القدر بكونها علامة اقتصرت على تلك الليلة التي أشار لها النبي، وذلك لأن الشمس تشرق كل يوم في نفس الشكل ولم يلحظ علماء الفلك تغيراً في شروقها منذ تطورت الأرصاد الفلكية وبدأ العلماء في دراستها مراقبتها، وفي هذا الأمر يوضح عبد الوهاب بن ناصر الطريري ما يدعم هذا القول:
تعتبر هذه العلامة مميزة لليلة معينة في زمان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وليست علامة يجب تكرارها سنويا للإشارة إليها في كل عام، وتشبه ذلك في قول النبي: `وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين`. إنها علامة خاصة بالليلة التي رآها النبي فيها في تلك السنة، وليست علامة تؤكد أن ليلة القدر يجب أن تكون ممطرة في كل عام.
يبدو أيضا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير في حديثه إلى شيء يتعلق برؤية الشمس وليس حالتها. فلم يكن ذلك حدثا فلكيا خاصا حيث تغيرت حالة الشمس في ذلك اليوم لتشرق بدون شعاع أبيض اللون على عكس إشراقها اليومي. ولكن السبب في رؤية النبي للشمس بهذا الشكل على الأرجح يعود إلى الظروف الجوية التي سادت في ذلك اليوم وتسببت في حجب أشعة الشمس لتظهر كالبدر. ومثل هذه الظروف تحدث عدة مرات خلال السنة، ولكن في ذلك العام تزامنت مع ليلة القدر، وكما تزامن في ليلتها سقوط المطر. وقد سبق ذكر وصف الشمس في القرآن الكريم وفقا لما يرى منها، وليس وفقا لحقيقتها، كما جاء في قوله تعالى: `حتى إذا بلغت مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة`. فالمقصود هنا وصف شكل الشمس عند غروبها في المحيط.
أيضاً ما يؤكد أن الشمس التي ذكرت في الحديث اقتصرت على ذاك اليوم، أن العديد من الصحابة لم ينتبهوا لهذه العلامة ولم يتمكنوا في تحديد ليلة القدر وفي هذا الأمر أورد الحافظ ابن حجر 46 قول جاء أغلبهم عن الخلاف الذي كان بين الصحابة على تحديدها، فإن كانت هذه علامة استثنائية تتطلب وقوع حدث كوني استثنائي فما وقع خلاف بين الصحابة على تحديدها ولاتفقوا على وقوعها فور رؤية الشمس صبيحتها.
تدل الأدلة على أن حديث أبي بن كعب عن شمس ليلة القدر كان مرتبطا بتلك الليلة فقط في العام الذي حدثت فيه، وذلك بسبب وجود وصفات متناقضة حولها. فقد وصفت بأنها كانت ممطرة ووصفت بأنها كانت ساكنة، وذلك بسبب التغيرات التي تحدث لها كل عام، فإنها تتبدل من عام لآخر وليست علامة تتكرر في كل عام. ومن الأدلة الأخرى التي تؤكد ذلك أن أبي بن كعب -رضي الله عنه- في حديثه لزر بن جحش لم يطلب منه مراقبة الشمس ولم يحث الناس على ذلك، ولم يذكر أيضا أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يراقبونها.
قال الإمام الطبري أنه لا يوجد علامات محددة ليلة القدر، مثل رؤية شيء ما، وعليه يجب على المسلم أن يسعى لمعرفة وقوعها ويجتهد في العبادة خلال العشر الأواخر من رمضان، خاصة في الليالي الوترية، وأن قصص رؤية الشمس ليلة القدر تشرق دون شعاع ليست موثقة ولا صحيحة.
شمس ليلة القدر فلكياً
يعتقد كثيرون من الناس منذ القدم أن الليلة الراسخة هي علامة واضحة لليلة القدر، وتتمثل في أن الشمس تشرق في صبيحتها بيضاء بدون أشعة، وقد أخبرنا أبي بن كعب – رضي الله عنه – عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه قد أوضح لنا هذا الأمر فيما سبق من الناحية الشرعية، والتي تشير إلى أنها علامة خاصة بتلك الليلة التي حضرها رسول الله – عليه الصلاة والسلام – وقد قدمنا الأدلة على ذلك، ومن الناحية العلمية، سنوضح الآن العديد من العلامات الفلكية التي تحدث عنها رسول الله وتم تأكيدها لاحقا من قبل العلم، مثل كسوف الشمس وخسوف القمر.
إلا أن ظاهرة شروق شمس ليلة القدر بيضاء دون شعاع هو أمر لم تثبت حقيقته العلمية مطلقاً بل أنه من الأمور المستحيلة أن تشرق الشمس دون أن تسطع أشعتها، من الحقائق العلمية أيضاً أن درجة حرارة الشمس لو ارتفعت أو انخفضت لتسبب في انهيار الحياة على الكوكب، فللشمس موضع محدد من الكون لا تتزحزح عنه حتى لا تؤثر على بقية الأكوان، وبشكل علمي قاطع لم يثبت أن سبق وأشرقت الشمس في أي يوم من الأيام دون أن تشع.
رغم استخدام أحدث أجهزة الرصد الفلكي وأكثرها تطوراً في عملية مراقبة الشمس التي بدأت منذ زمن بعيد، إلا أنه لم يتم تسجيل أي اختلافات في شعاع الشمس في شهر رمضان أو خارجه. ومن يجزم برصدها فهو لا يعتمد على أساليب علمية ولا يرتكز على منطق علمي.
وبالتالي لا يمكن تحديد ليلة القدر بالطريقة الفلكية، لأن أحدث الأجهزة لم تتمكن من رصد أي تغيير في أشعة الشمس خلال أيام شهر رمضان على مدار السنوات الماضية. لذلك، من الناحية الشرعية والعلمية، لا يوجد دليل على وجوب تحديد ليلة القدر من خلال مراقبة الشمس. الأفضل هو الاجتهاد في عبادة الله في كل ليلة في رمضان وتحفيز النفس في العشر الأواخر منه.