شرح نظرية التعلم بالفهم والاستبصار
لا شك أن التعلم والفهم العميق للأشياء هو الطريق الوحيد لتنمية المهارات الفكرية والإدراكية لدى المعلمين بشكل عام، وعبر جميع مراحل التعليم والتدريب الدراسي والعلمي والمعرفي والمهني، وهذا ما دفع الخبراء والتربويون وعلماء النفس إلى ابتكار واستحداث طرق جديدة ونظريات حديثة من أجل تعزيز فائدة التعلم لكل من المعلمين والمتعلمين، وفي إطار ذلك ظهرت نظرية التعلم بالفهم والاستبصار
نظرية التعلم بالفهم والاستبصار
تعرف هذه النظرية أيضا باسم النظرية الجشطلتية، وهي كلمة تعني المجال الكلي، وقد ظهرت هذه النظرية لأول مرة في دولة ألمانيا مع بداية القرن الماضي عندما قام عامل نفسي ألماني الجنسية يدعى وريثماير بتقديمها، وقد جاءت تلك النظرية لتوضح أفكار المدرسة البنائية والسلوكية، حيث إن كل منهما لا يهتم بالجانب النفسي للمتعلم الذي يعد العامل الرئيسي في تحقيق الفائدة من التعلم، أما النظرية الجشطلتية فتتعامل مع الأشياء بشكل كلي تماما وذلك لتعميق فهم كل منها وإقامة العلاقات بينها
حيث أن هذه النظرية تتبنى فكرة أنه لا فائدة من تنمية تقسيم الأشياء إلى عدد هائل من الوحدات دون إيجاد علاقة تشابه بينهم وما ينتج عنه من تشتت ذهني وعدم استفادة الطالب ، وبالتالي ؛ فإنها تؤكد على أهمية العمل على زيادة القدرة على الفهم والاستبصار ببواطن وظواهر الأمور بشكل متعمق .
شرح التعلم بالفهم والاستبصار
التعلم بالفهم والاستبصار يُعني عدم الاعتماد على تلقين الطالب المعلومات فحسب ؛ بل إنه يؤكد على أهمية أن يُدرك الطالب ما يتعلمه ويعيه ويفهمه عبر الاستماع والفهم والاستبصار به من كل جوانبه ، ومن ثم ؛ نكون قادرين على تقييم المتعلم ، حيث أن التقييم الذي لا يعتمد على نظرية الاستبصار لا يكون دقيقًا بالقدر الكافي لأنه يعتمد على قياس مهارة بعض الخواص دون غيرها ، وبالتالي ؛ فإن هذه النظرية وروادها يؤيدون مبدأ مشاهدة التجارب الواقعية والممارسات العملية لكل ما يتعلمه الطالب ؛ حتى يكون ذو فائدة حقيقية له .
أهداف نظرية التعلم بالفهم والاستبصار
تتوجه نظرية التعلم من خلال الفهم والاستنتاج إلى بعض الأهداف الهامة، مثل:
يتم التعلم عن طريق الاستبصار من خلال إدراك الموقف أو الحدث الذي يتعرض له المتعلم بشكل كامل، وبالتالي، يتم تحفيز المتعلم على استخدام الإدراك الحسي العميق لفهم الأشياء بشكل كامل دائمًا .
يعتبر الإدراك هو الأساس في عملية التعلم، حيث إذا لم يتمتع المتعلم بالإدراك الفعلي لما يتعلمه، فإن التلقين والحفظ ليسا كافيين ولا ينتجان أي فائدة تُذكر. ولذلك، فإن الإدراك هو الهدف الأساسي في نظرية التعلم بالفهم والاستيعاب .
يجب الاهتمام بالوسائل التي يتم من خلالها تعليمالطالب ومراقبة النتائج التي تنتج عن استخدام هذه الوسائل. ومن ثم ، يتم التوصل إلى أفضل أسلوب علمي يحقق الفائدة الفعلية للمتعلم .
ينصح بتجنب الوقوع في الأخطاء عن طريق الحرص على فهم جميع جوانب الموضوعات أو الأشياء، حيث يساعد الاستبصار القائم على الإدراك الشامل على تعميق مستوى الفهم لدى المتعلمين، وبالتالي تجنب عدد كبير من الأخطاء التي تحدث نتيجة عدم فهم الموضوع بشكل كامل .
تهدف هذه النظرية أيضًا إلى نشر طرق التعليم التي تؤثر على ذهن ومهارات المتعلم وترفض طرق الحفظ والاستظهار التي لا توفر أي فائدة للطالب .
مبادئ التعلم بالفهم والاستبصار
تأتي مبادئ نظرية التعلم بالفهم والاستبصار على النحو التالي:
مبدأ اللون والخلفية
يعتبر هذا المبدأ ضروريا لاستخدام الطالب لحواسه المختلفة أثناء التعلم، بما في ذلك السمع والبصر معا، حتى يتمكن من تشكيل فكرة شاملة حول ما يتعلمه وما يستمع إليه وما يشاهده. وبذلك، ستترسخ المعلومات الأساسية في ذهنه. وباستخدام ألوان مختلفة لكتابة الكلمات أو المفردات وتظليل الخلفية بلون آخر، أو رسم أشكال بألوان مختلفة واستخدام لون آخر للخلفية وما إلى ذلك، ستؤثر بشكل كبير على حواس الطفل وتجعل ما يشاهده مرسخا في ذهنه بشكل أكبر .
مبدأ التشابه
وترى نظرية التعلم بالفهم والاستبصار أيضًا أن التشابه بين المؤثرات والأحداث المختلفة يُعد من أهم طرق تعليم الطلاب وترسيخ المعلومات لديهم بشكل أكبر ؛ حيث انه سوف يكون قادرًا هنا على استرجاع المعلومات المخزنة في عقله مُسبقًا وسوف تبدأ حواسه بشكل تلقائي في المقارنة بين ما يُشاهده وما يحتفظ به في ذاكرته .
مبدأ التقارب
أما مبدأ التقارب، فيهدف إلى اعتبار الأشياء أو الأغراض أو القضايا والموضوعات المتشابهة والتي تنتمي إلى فئة واحدة كشيء واحد. على سبيل المثال، جميع الأشكال الهندسية تنتمي إلى فئة واحدة، وكذلك جميع أنواع الزهور والأعشاب والخضروات والفواكه وغيرها من المزروعات تنتمي إلى فئة واحدة وهي النباتات .
مبدأ التبسيط
العقل ابشري دائمًا ما يميل إلى تبسيط الأشياء ، وبنءً على ذلك ؛ فإن تبسيط الأشياء يُعد أحد أهم عوامل تنمية الفكر الإدراكي ، وعلى سبيل المثال ؛ وجود أشكال هندسية متداخلة ، يمكن تحليلها وتبسيطها من خلال استبصار كل شكل هندسي بمفرده أولًا ، ومن ثم القدرة على تصور الشكل النهائي للوحدات المتداخلة بعد ذلك .
مميزات التعلم بالفهم والاستبصار
تتضمن التعلم بالفهم والاستبصار العديد من الفوائد والنقاط الإيجابية والمميزات التي يمكن الاستفادة منها بشكل كبير في مراحل التعليم الأساسي، مثل:
– يقوم بالاعتماد بشكل أساسي على فهم عميق وإدراك شامل للموضوع أو القضية ، وبالتالي ، فهم العلاقة بين الوسيلة والهدف والنتائج .
تُعد الوسائل التعليمية المُعززة لحب التعلم والاستمتاع بالعملية التعليمية من أهم الوسائل التعليمية؛ لأنها تتحدث مع عقل الطالب وتساعده على فهم كل ما يدور حوله بإدراك ووعي، وبذلك يشعر المتعلم بقيمة الذات ويصبح أكثر إقبالًا على التعلم .
الاستفادة من الاستبصار في عملية التعلم تتغلب على مشكلة النسيان التي يعاني منها العديد من المتعلمين الذين يحفظون المعلومات بدون فهم، وخاصة أن الاستبصار يساعد على تشكيل صورة دائمة للمعلومات والأفكار في الذهن .
نظرًا لأن الاستبصار يحدث فجأة دون ترتيب مسبق ؛ فإنه يساعد الطلاب على التفاعل مع الأحداث المحيطة بهم وفهمها وتحليلها بسرعة، وزيادة قوة الملاحظة وسرعة البديهة لديهم .
عندما يتم الوصول إلى معلومات أو نتائج من خلال الفهم والاستنتاج، يكون المتعلم الذي توصل إلى هذه النتائج بنفسه قادرًا على تطبيقها في أي مواقف أخرى مشابهة .
بالإضافة إلى ذلك، يقوم التعلم بالفهم والاستيعاب على تنظيم المواقف المختلفة وتكوين روابط بين المواقف المتشابهة والتعامل معها ككل وليس جزءا، وهذا يساهم في تطوير القدرات العقلية بشكل أفضل وأسرع
-الخبرة العميقة جدًا التي يحصل عليها الطالب عبر الفهم والاستبصار ؛ تجعله قادر على تنظيم وربط الأجزاء المتشابهة وبناء العلاقات بين الأشياء المختلفة بسهولة ويسر ، وهذا بالطبع يُساعد على اكتساب مهارة الربط والتنظيم التي تُعد من أهم المهارات التي يُساعد تطبيقها وإتقانها على النجاح في الحياة العلمية والعملية والاجتماعية أيضًا .
تُساعد القدرة على الاستبصار في تقييم الطلاب والمتعلمين والمتدربين بدقة، إذ كلما زادت مهارات الفرد وذكاؤه، كلما زادت قدرته على التنبؤ والتخطيط واتخاذ القرارات المناسبة .