شرح قصيدة ابو البقاء الرندي في رثاء الاندلس
صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف النفري الرندي هو أبو البقاء الرندي، ولد في عام 651 للهجرة في مدينة رندة بجنوب الأندلس، وهو معروف بالعلم والشعر والفقه، كما اشتهر ببراعته اللغوية، وأحد أهم أعماله الأدبية هي قصيدة رثاء الأندلس .
قصيدة رثاء الأندلس
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ
وَهَـذِهِ الـدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ وَلا يَـدُومُ عَـلى حـالٍ لَها شانُ
يُـمَزِّقُ الـدَهرُ حَـتماً كُلَّ سابِغَةٍ إِذا نَـبَت مَـشرَفِيّات وَخـرصانُ
وَيَـنتَضي كُـلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو كـانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَيـنَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ وَأَيـنَ مِـنهُم أَكـالِيلٌ وَتـيجَانُ
وَأَيـنَ مـا شـادَهُ شَـدّادُ في إِرَمٍ وَأيـنَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَيـنَ مـا حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ وَأَيـنَ عـادٌ وَشـدّادٌ وَقَـحطانُ
أَتـى عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ حَـتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصـارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الـزَمانُ عَـلى دارا وَقـاتِلِهِ وَأَمَّ كِـسرى فَـما آواهُ إِيـوانُ
كَـأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ يَـوماً وَلا مَـلَكَ الـدُنيا سُلَيمانُ
فَـجائِعُ الـدُهرِ أَنـواعٌ مُـنَوَّعَةٌ وَلِـلـزَمانِ مَـسرّاتٌ وَأَحـزانُ
وَلِـلـحَوادِثِ سـلوانٌ يُـهوّنُها وَمـا لِـما حَـلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
دهـى الـجَزيرَة أَمـرٌ لا عَزاءَ لَهُ هَـوَى لَـهُ أُحُـدٌ وَاِنـهَدَّ ثَهلانُ
تأثرت بالعين في الإسلام وتشوهت حتى فقدت أقطارها وبلدانها
فـاِسأل بَـلَنسِيةً مـا شَأنُ مرسِيَةٍ وَأَيـنَ شـاطِبة أَم أَيـنَ جـيّانُ
وَأَيـن قُـرطُبة دارُ الـعُلُومِ فَكَم مِـن عـالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَيـنَ حـمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ وَنَـهرُها الـعَذبُ فَـيّاضٌ وَمَلآنُ
قَـوَاعد كُـنَّ أَركـانَ البِلادِ فَما عَـسى الـبَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَـبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ كَـما بَـكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَـلى دِيـارٍ مـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ قَـد أَقـفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما فـيـهِنَّ إِلّا نَـواقِيسٌ وصـلبانُ
حَـتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ حَـتّى الـمَنابِرُ تَـبكي وَهيَ عيدَانُ
يـا غـافِلاً وَلَـهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ إِن كُـنتَ فـي سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَمـاشِياً مَـرِحاً يُـلهِيهِ مَـوطِنُهُ أَبَـعدَ حِـمص تَـغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِـلكَ الـمُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها وَمـا لَـها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يـا أَيُّـها الـمَلكُ الـبَيضاءُ رايَتُهُ أَدرِك بِـسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يـا راكِـبينَ عِـتاق الخَيلِ ضامِرَةً كَـأَنَّها فـي مَـجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحـامِلينَ سُـيُوفَ الـهِندِ مُرهَفَةً كَـأَنَّها فـي ظَـلامِ الـنَقعِ نيرَانُ
وَراتِـعينَ وَراءَ الـبَحرِ فـي دعةٍ لَـهُم بِـأَوطانِهِم عِـزٌّ وَسـلطانُ
أَعِـندكُم نَـبَأ مِـن أَهلِ أَندَلُسٍ فَـقَد سَـرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم قَـتلى وَأَسـرى فَـما يَهتَزَّ إِنسانُ
مـاذا الـتَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ وَأَنـتُم يـا عِـبَادَ الـلَهِ إِخـوَانُ
أَلا نُـفوسٌ أَبـيّاتٌ لَـها هِـمَمٌ أَمـا عَـلى الـخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يـا مَـن لِـذلَّةِ قَـوم بَعدَ عِزّتهِم أَحـالَ حـالَهُم كـفرٌ وَطُـغيانُ
بِـالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم وَالـيَومَ هُـم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَـلَو تَـراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم عَـلَيهِم مـن ثـيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَـو رَأَيـت بُـكاهُم عِندَ بَيعهمُ لَـهالَكَ الأَمـرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يـا رُبَّ أمٍّ وَطِـفلٍ حـيلَ بينهُما كَـمـا تُـفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبـدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت كَـأَنَّما هـيَ يـاقُوتٌ وَمُـرجانُ
يَـقُودُها الـعِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً وَالـعَينُ بـاكِيَةٌ وَالـقَلبُ حَيرانُ
لِـمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ إِن كـانَ فـي القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
شرح قصيدة رثاء الأندلس
يذكر الشاعر هنا حقيقة وهي أن كل شيء آخذ في التناقص والزوال إذا اكتمل نموه ، وهذه سنة الله في خلقه لذا فعلى الإنسان ألاّ يغتر بطيب عيشه فإن مصيره إلى الزوال ، وهذه الأمور كما تشاهدها متغيرة متبدلة فمن سره زمن فقد ساءته أزمان ، وهذه الدنيا لا تدوم على حال واحدة فهي في إقبال وإدبار وكما قيل يوم لك ويوم عليك.
يمكنك أن تسأل باللغة الإسبانية عن ما حال مرسية، وأين تقع شاطبة وقرطبة، العواصم التي شهدت ارتفاعا في مستوى العلم والثقافة الإسلامية. لكنها الآن تحت سيطرة النصارى، ولا يبقى لها أي أهمية إذا لم تبق أركانها .
ثم أنتقل إلى تصوير حال الإسلام بعد سقوط المعاقل الإسلامية حيث أصبح حزينًا فها هي الحنيفية تبكي من شدة حزنها ، كما يبكي المحب لفراق إلفه وحبيبه ، نعم تبكي على هذه المعاقل التي خلت من الإسلام وأقفرت .
فصارت الأندلس كلها نصرانية ، عامرة بالكفر وجعلت النواقيس في الصوامع بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان ، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن ، فيا لها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها ، وطامة ما أكبرها ، فحتى الجمادات تأثرت لما حدث فأخذت المحاريب والمآذن تبكي وترثي نفسها .
ثم بدأ الشاعر يتحدث ويذكر حالة المسلمين، حيث تحولت قوتهم وعزتهم التي كانت تمنعهم من القيام بالمنكرات إلى ذل وهوان وإنكسار بسبب انتشار المنكرات بينهم دون معارضة. وسلم النصارى المسلمين للعبودية وباعوا سادتهم في أسواق الرقيق، وكانوا يفرقون بين الأمهات وأطفالهم عند البيع مثلما يفرق القتيل بين روحه وجسده. فإذا رأيت هذا المنظر وتلك الذلة، فسيذيب القلب من الحزن والكمد، وذلك إذا كان في القلب إيمان وإسلام .