سيرة جاي جولد البارون السارق
عالم المال والاقتصاد من أكثر الأشياء التي من الممكن أن تحتوي على ألاعيب وخدع، لا يمكنك أن تفرق كثيراً بين طاولات السياسة وطاولات المال، وخصوصاً في أمريكا، فكل من تجمع على أياً من هذه الطاولات يظهرون ما لا يبدون، ومن أكثر مواطن المال والمضاربات المشهورة بمثل هذه الأشياء هي الوول ستريت في أمريكا.
منذ أكثر من 150 سنة من التاريخ المالي في أمريكا إلى يومنا هذا، ظهر العديد من قراصنة المال، فقبل ظهور جولدمان ساكس وجوردون جيكو، كان جاي جولد يتلاعب بسوق المال الأمريكي كما يشاء، حتى أصبح واحدا من أغنى خمسة رجال في أمريكا، وذلك بفضل خططه العدوانية أو الإجرامية في سوق الأسهم
من هو البارون السارق
جاي جولد أو البارون السارق يدعى جيسون جولد الأصلي، ولد في 27 مايو 1836 في روكسبري، نيويورك، الولايات المتحدة، وتوفي في 2 ديسمبر 1892 في نيويورك. كان ممولا ومديرا تنفيذيا للسكك الحديدية ومضاربا ذو خبرة في البورصة الأمريكية.
وهو واحد من مطوري السكك الحديدية المهمين بأمريكا، وهو أحد البارونات السارقة عديمة الضمير بين وحوش الرأسمالية الأمريكية في القرن التاسع عشر، وقد تمكن من جمع الكثير الأموال خلال حياته بكل الطرق الممكنة من خلال كل الأساليب المشروعة والغير مشروعة، حتى أنه خلال حياته كان يُعتقد أنه أكثر الرجال احتقارًا في البلاد.
حياة جاي جولد المبكرة
حصل جولد على تعليمه في المدرسة المحلية في منطقة سكنه، وعمل كمساح لأول مرة في نيويورك، وفي نهاية المراهقة بدأ في رسم خرائط المقاطعات في نيويورك. عمل لفترة في متجر حداد، ثم في الدباغة، وفي عام 1859، دخل جولد عالم التداول في أسواق المال الأمريكية، وبدأ في التداول في أسهم السكك الحديدية الصغيرة في أمريكا، واستمر في التداول والمضاربة في أسهم السكك الحديدية في مدينة نيويورك خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية، وذلك في عام 1863.
جولد في وول ستريت
أنتقل جولد إلي مدينة نيويورك في الخمسينات من القرن التاسع عشر، وقد بدأ في تعلم طرق اللعب بالاسهم والمضاربات في وول ستريت، وكان سوق الأسهم غير منتظم بشكل كبير في هذا الوقت بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد، فأصبح جولدن بارع في التلاعب بالأسهم، وأظهر موهبة كبيرة في اللعب بالأسهم والمضاربات، فلم يكن يرحم في استخدام التقنيات المختلفة في المضاربة مثل تقنية حصر الأسهم، والتي كان عن طريقها يمكنه أن يرفع الأسعار لبعض الأسهم مما يسبب تدمير الضاربين الذين كان لهم نفس قصير في الأسهم، مع قدرته على المراهنة على انخفاض السعر.
بسبب انتشار سمعة جولد السيئة بشكل كبير، كان الاعتقاد الشائع أن جولد سيكون قادرًا على رشوة السياسيين والقضاة الأمريكيين، وبالتالي سيتمكن من تجنب أي قوانين يمكن أن تحد من الممارسات الغير أخلاقية التي كان يقوم بها.
حرب إيري
في سنة 1867، تمكن جولد من الحصول على منصب في مجلس سكة الحديد إيري، وبدأ العمل مع دانيال درو، والذي كان أيضاً يتلاعب بالأسهم في وول ستريت منذ عقود كثيرة، مما جعله يتمكن من السيطرة على السكك الحديدية، بجانب شريكه الأصغر سناً جيم فيسك الذي كان يدعي الملتهب، وكما هو واضح فلم يكن جولد وحده الذي يتلاعب بسوق الأموال في وول ستريت بل أكان كان يوجد بعض الوحوش الأخرين غيره.
كان جولد وفيسك الملتهبان متقاربين في الشخصية، مما جعلهما أصدقاء ثم شركاء، وكان فيسك يجذب الانتباه بسبب أعماله المثيرة للعامة، وعلى الرغم من ذلك، يبدو جولد وكأنه يحب فيسك حقا، إلا أن العديد من المؤرخين يتوقعون أن جولد رأى قيمة في شريكه لكي يصرف الانتباه عنه إلى حد ما، وذلك بسبب المخططات التي كان يقودها جولد.
نجحت جولد في الانخراط بين الرجال في الحرب التي كانت قائمة بين جحافل الرأسمالية الأمريكية، حتى يتمكنوا من السيطرة على السكك الحديدية في إيري، وكان أغنى رجل في أمريكا وهو كورنيليوس فاندربيلت حاضرا في تلك الحين يتألق في ساحة الصراع، وتحولت الحرب على المولود الجديد للسكك الحديدية إلى حرب شرسة.
في لعبة حرب إيري، شهدت مشهدا غريبا من الدراما العامة، حيث تورطوا في المؤامرات التجارية، وفجأة هرب كل من فيسك ودرو وجولد إلى فندق في ولاية نيوجيرسي، لكي يكونوا بعيدا عن متناول السلطات القانونية في ولاية نيويورك، وقدم فيسك عرضا للجمهور، وأجرى بعض المقابلات الحية مع الصحافة، ورتب جولد لرشوة السياسيين في مدينة ألباني عاصمة الولاية، وواصل الثلاثي وجولد بالتحديد الكفاح بكل الطرق الغير شرعية حتى تمكنوا من السيطرة على السكك الحديدية، وأخيرا انتهت الحرب بنهاية مربكة.
قام كلاً من جولد وفيسك بمقابلة مع أغنى رجل في أمريكا أن ذاك وهو فاندربيلت وقاموا ثلاثتهم بعقد اتفاق، وبفضل كل هذه الصراعات و الاتفاقات والتحالفات التي خاضها جولد سقطت السكك الحديدية في يد جولد بالنهاية، وعلى الرغم من هذا فقد سمح لفيسك الذي كان يد الأمير إيري اليمنى في هذا الوقت أن يكون بالوجهة العامة بالمشروع.
جولد والسكك الحديدية
أدار كل من جولد وفيسك خط سكة حديد إيري، حتى عام 1872 حين حدثت تغييرات جذرية نتيجة قتل فيسك، وأصبحت حياة فيسك موضوعا يتناوله كل الصحف ويحظى بالعناوين الرئيسية باسمه. وقد اندلعت احتجاجات شعبية كبيرة ضد جولد وأتباعه بسبب أساليبه غير المشروعة التي تسببت في كوارث اقتصادية، وهذا ما جعله يقالع عن إدارة خط سكة حديد إيري.
مع ذلك، لم يتوقف جولد عند حد معين، بل بقي نشطا في مجال السكك الحديدية، حيث قام بشراء وبيع كميات هائلة من الأسهم الخاصة بالسكك الحديدية.
كان يمتلك جولد في هذا الوقت ثروة تقدر ب 25 مليون دولار، وقام بتوجيه أنظاره إلى السكك الحديدة في الغرب، فقام بشراء العديد من الخطوط الأخرى، حتى أنه بحلول سنة 1881، كانت إمبراطوريته الحديدية في ذروتها حيث أصبحت أكبر إمبراطورية حديدية في البلاد، حيث بلغ مجموعها حوالي 15800 ميل من السكك الحديدية، وهي 15% من إجمالي المسافات في السكك الحديدية في امريكا كلها.
تم تحقيق هذه الإمبراطورية عن طريق التلاعب في أسهم شركة يونيون باسيفيك. وفي عام 1882، بدأ بناء نظام جديد للسكك الحديدية في ولاية ميسوري، وشكلت هذه الخطوط الجديدة نصف إجمالي خطوط السكك الحديدية في الجزء الجنوبي الغربي عام 1890.
وفاة البارون السارق
توفي جاي جولد في 2 ديسمبر 1892 بسبب مرض السل، وأثار خبر وفاته جدلاً واسعًا في الصحافة، حيث قُدِّمت العديد من الحكايات حول حياته الشخصية والمهنية، وترك وراءه ثروة ضخمة تصل إلى 100 مليون دولار، بالإضافة إلى سمعة سيئة اكتسبها على مدار حياته.