سيرة الصحابي الجليل عمير بن وهب
نسبه وسيرته: عمير بن وهب بن خلف بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر الجمحي القرشي الكناني، أسلم في العام الثاني من الهجرة بعد معركة بدر. كان من أشد أعداء الإسلام قبل إسلامه، وكان يلقب به في مكة بـ “شيطان مكة”. ولكن بعد إسلامه، أصبح من أشجع رجال الإسلام وأفضلهم، وتحول وجهه لله كأنه أسد من أسود محمد عليه السلام، وكان من الرجال الممتازين
إسلامه: كان هذا الشخص من الذين قاتلوا بشراسة ضد المسلمين في صفوف قريش خلال غزوة بدر، وخلال هذه الغزوة، تم أسر ابنه. وبعدها، جلس مع صفوان بن أمية وتآمروا للقضاء على النبي محمد عليه السلام. وقسم عمير أنه لن يتوانى عن مطاردة محمد في المدينة ليقتله، لأن لديه دين يجب عليه أن ينفذه وأولاد يخشى عليهم الفقر والضياع. وأيضا، يمكنه الاستتار وراء طلبه لإطلاق سراح ابنه الأسير من قبل المسلمين. فأخبره صفوان أنه سيتحمل مسؤولية دينه وأولاده حتى يعود ابنه.. لذلك، أصر عمير على أن يحمل سيفه ويقرر التسلل إلى النبي محمد عليه السلام في المدينة ليقتله
في المدينة حيث كان النبي جالسًا مع أصحابه، رأى عمر بن الخطاب عميرًا يقترب على فرسه وعلى عنقه سيفه. أخبر النبي عنه وغضب منه، وأمر عمر بإحضاره إليه، فلما دخل عمير عليه.
سأل النبي عمير عن سبب حضوره وحمله السيف على عنقه، فأجاب عمير بأنه حضر لهذا الأسير الذي في أيدي المسلمين، وأن السيف لا يفيد في وجود الرجال.
فنبّأءه سيدنا محمد عليه السّلام أمره الذي أخفى: لقد جلستَ أنت وصفوان بن أمية في الحجر وذكرتما أصحابكما من قريش، ثم قلتَ: لو لم يكن لدي دين وعائلة، لخرجتُ حتى أقتل محمداً. وتحمل صفوان بدينك وعائلتك أن تقتلني له، ولكن الله يحول دون ذلك بينك وبين تنفيذ هذا الفعل
تفاجأ عمير بن وهب بما أخبره به النبي محمد عليه السلام، حيث لم يشهد مجلسه مع صفوان إلا هو وصفوان نفسه، وأدلى بالشهادة مسلمًا أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
طلب النبي من أصحابه تعليم عمير غسل الإسلام وتعاليمه وصلاة النبي وأن يعتنقوا ابنه الأسير.
دعوته إلى الإسلام في مكّة: كان صفوان بن أمية ينتظر بشوق عودة عمير بن وهب بالنبأ العظيم، أي مقتل النبي محمد، ويفرح أصحابه بالخبر: “فرحوا بنبأ ينسيكم بدر”. كان يخرج كل صباح إلى مشارف مكة ليسأل القوافل عن أي أمر جديد يحدث في المدينة، حتى أخبره أحد المسافرين أن عمير قد أسلم واتبع محمد عليه السلام وهو في المدينة يتعلم الدين ويقرأ القرآن. فأسرع الخبر برشد صفوان
في يومٍ ما، طلب عمير من النبي الإذن بالعودة إلى مكة ليدعو أهلها للاسلام ويعلمهم، حيث كان يعاني الأذى الشديد من الذين كانوا على هذا الدين، وقد طلب الخروج إلى مكة ليدعو أهلها للاسلام، وإلا فسوف يؤذيهم في دينهم. فأذن له النبي عليه السلام.
عندما اقترب منه صفوان، كاد عمير يواجهه، لكنه تصدى له بسيفه، فذعر صفوان منه وسبّه وتركه. وبعد ذلك، بدأ عمير يدعو أهل مكة للاسلام ويعلمهم البر والعدل والإحسان، وتمكن من إسلام العديد منهم، ثم خرج في موكب كبير معهم إلى المدينة.
إسلام صفوان بن أميّة على يد عمير بن وهب: وعلى الرغم من ذلك، لم ينس عمير صاحبه صفوان بن أمية. في يوم فتح مكة، قام عمير بدعوة صفوان للاعتناق الإسلام، ولكنه رفض وغادر نحو جدة ومنها إلى اليمن. عندئذ، عجل عمير لينقل للنبي الرسالة قائلا: يا رسول الله، صفوان هو سيد قومه، وقد هرب منك هاربا ليقذف نفسه في البحر، فقد أمنته. فقال النبي عليه السلام: تماما، لقد أمنته.
طلب عمير من النبي أن يمنحه آية تعرف بها على أمان النبي عليه السلام في صفوان، فخلع النبي عليه السلام عمامته التي كان يرتديها وفتح مكة.
عمير سار بسرعة خلف صفوان والتقطه قبل أن يركب البحر، ثم ناداه بألفاظ حنونة ورقيقة يطلب منه الصداقة والمحبة، قائلاً: يا صفوان، فداك أبي وأمي.. يرجى منك أن تحافظ على نفسك ولا تضيعها.. هذا هو الأمان الذي أرسله رسول الله لك، وثمّنه بتقديم العمامة إلى صفوان.
فقال صفوان: ويلك، ابتعد عني ولا تتحدث معي. ومع ذلك، أصر عمير على معاملة أخيه بلطف، خوفا من أن يدمره الشيطان بوساطة الضلالة، فقال: أعيذك بحياتي وحياة والداي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل الناس وأكرمهم وأحلمهم. شرفه هو شرفك، وعزه هو عزك.
وهنا بدأ قلب صفوان يلين ويستجيب، وبدأ يجادل عن نفسه فقال: أخاف على نفسي، ولكن عمير يطمئنني: إنه -عليه السلام- أحلم وأكرم من ذلك.
فرجع به للنّبي عليه السّلام، فقال صفوان للنبيّ عليه السّلام: عندما قال عمير إنك قد أمنت لي، فأجابه النبي عليه السلام قائلاً: ليس لك شهران، بل لك أربعة أشهر.
بعد ذلك أسلم صفوان، وفرح عمير بهذا الأمر بفرح كبير.
وفاته: عاش عمير بن وهب لنصرة الدين ودعوته حتى تولى عمر بن الخطاب الخلافة وتوفي بتوفيق الله.