اسلامياتالقران الكريم

سبب نزول ” ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج “

{لا يوجد ضغط على الأعمى أو الأعرج أو المريض، ولا يوجد ضغط عليكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم. ليس عليكم ذنب أن تأكلوا معا أو بشكل منفصل. فإذا دخلتم بيوتا، فقدموا عليكم تحية من الله مباركة وحسنة. هكذا يوضح الله لكم الآيات لعلكم تفهمون.” [سورة النور: 61]

سبب نزول الآية ابن كثير:
 {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ}: اختلف المفسرون رحمهم الله في المعنى الذي رفع لأجله الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض ههنا، فقال عطاء بن أسلم: يقال إنها نزلت في الجهاد، وجعلوا هذه الآية ههنا كالتي في سورة الفتح وتلك في الجهاد لا محالة، أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وكما قال تعالى في سورة براءة: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:91].

وقيل: المراد ههنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك وهذا قول سعيد بن جبير وغيره.

 وقال الضحاك: كانوا قبل البعثة يشعرون بالاستحسان من تناول الطعام مع هؤلاء النجس والمنبوذين، وحتى لا يتكرموا عليهم، أنزل الله هذه الآية. وأخبرنا معمر عن مجاهد، حيث كان الرجل يأخذ الأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته، وكان الناس يشعرون بالاستحسان من ذلك ويقولون: إنهم يأخذونا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية لتجيز ذلك.

{أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}: قال الزهري عن عائشة رضي الله عنها، إن المسلمين كانوا يذهبون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفير، ويسلمون مفاتيح بيوتهم للمسؤولين، ويقولون لهم: “لقد أحللنا لكم أن تأكلوا ما تحتاجون إليه”. وكان المسلمون يرفضون تناول الطعام الذي لم يكن طيبا لأنفسهم، لأنهم كانوا يشعرون أنهم مسؤولون. فأنزل الله الآية: {أو ما ملكتم مفاتحه}.

تفسير الآية ابن كثير:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ}: وقال السدي: كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه فتتحفه المرأة بشيء من الطعام، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثمّ، وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}: إنما ذكر هذا وهذا معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ، وليساوي به ما بعده في الحكم، وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه، وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: «أنت ومالك لأبيك» [هذا جزء من حديث أخرجه أحمد وأصحاب السنني].

{أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه}: هذا ظاهر، وقد يستدل به على نفقة الأقارب بعضهم على بعض، كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما، وأما قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه}: فقال سعيد بن جبير والسدي: هو خادم الرجل من عبد وقهرمان، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف، {أو صديقكم}: أي بيوت أصدقائكم وأصحابكم فلا بأس بأكل الطعام فيها إذا كنتم تعرفون أن ذلك لا يزعجهم ولا يكرهون ذلك، وقال قتادة: إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل من طعامه بدون إذنه.

 {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}: قال ابن عباس: عندما نزلت آية {يا أيها الذين آمنوا! لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء:29]، قال المسلمون: إن الله نهانا عن أن نستنزف أموالنا بالباطل بيننا، والطعام هو أفضل من الأموال. لذلك، لا يجوز لأحد منا أن يتناول طعاما عند شخص آخر، وبسبب تأنيف الناس، كانوا يشعرون بالخجل إذا أكل الرجل الطعام بمفرده، لذا أذن الله لهم بذلك بقوله: {لا يحرم عليكم وليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، وكان يجوز لهم أن يأكلوا الطعام جميعا أو بشكل منفصل.

 وقال قتادة: كان هذا الحي من بني كنانة يرون أحدهم أنه مخز له أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى إن الرجل كان يذهب إلى الحفل وهو جائع حتى يجد من يأكل معه ويشرب معه. وبسبب ذلك، أنزل الله التالي: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو تفرادا}. فهذه هي تسهيلة من الله تعالى ليأكل الرجل وحده أو مع الجماعة، ومع ذلك يكون الأكل مع الجماعة أفضل وأكثر بركة، وكما روى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “إنا نأكل ولا نشبع.” قال: `لعلكم تأكلون متفرقين، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله فيه فتبارك لكم فيه` [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه]. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: `كلوا جميعا ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة` [رواه ابن ماجه عن عمر مرفوعا].

{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}: يعني أن يسلم بعضكم على بعض، وقد قال جابر بن عبد الله: “إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله طيبة مباركة”. وقال ابن جريج: “قلت لعطاء: أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم؟” فقال: “لا، ولا أفضل وجوبه عن أحد، ولكنه أحب إلي”. وقال قتادة: “إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه كان يؤمر بذلك، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه”. وقال أنس بن مالك: “أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال، قال: `يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك، وسلم على من لقيت من أمتي تكثر حسناتك، وإذا دخلت بيتك فسلم على أهلك تكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك، يا أنس ارحم الصغير، ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة`”. وأخرجه الحافظ البزار عن أنس مرفوعا.

{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}: ابن عباس كان يقول: أنا لم أأخذ التشهد إلا من كتاب الله. سمعت الله يقول: `فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة`. فالتشهد في الصلاة يعني التحيات المباركة والصلوات الطيبة لله. وقوله: `كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون` يعني أن الله يبين لعباده الآيات بطريقة واضحة ومفهومة لكي يتدبروها ويفهموها جيدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى