سبب نزول الآية ” ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا “
قال الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين} [سورة الأحقاف: 15].
سبب نزول الآية
ورد عن سعد رضي الله عنه، أن أم سعد سألته عن طاعة الوالدين، وفي الجواب قال: `أمر الله بطاعة الوالدين`. بعدها، أمتنعت أم سعد عن تناول الطعام والشراب حتى تكفر بالله تعالى. جعلوا يفتحون فاها بالعصا، ونزلت هذه الآية: { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } [أخرجه الطيالسي، ورواه مسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجة بإسناد نحوه وأطول منه]
تفسير الآية ابن كثير
عندما ذكر الله في الآية الأولى التوحيد والاخلاص في العبادة والاستقامة إليه، وصل الأمر بوصية بالبر بالوالدين، كما هو مذكور في غير آية من القرآن، مثل قوله تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” [سورة الإسراء: 23]، وقوله تعالى: “ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا”، أي أمرناه بالإحسان إليهما والعناية بهما.
أي أن أمه حملته بمشقة وتعب، معاناة من الوحم والغشيان والثقل والكرب وغيرها من التحديات التي تواجه النساء الحوامل وتسبب لهن التعب، وقد واجهت صعوبات أيضا أثناء الولادة، واستمرت فترة الحمل والولادة ثلاثين شهرا، واستدل الباحثون على هذه الآية وأيضا على آية في سورة لقمان التي تشير إلى أن فترة الحمل القصوى هي ستة أشهر، وهذا استنتاج قوي ومؤكد.
روى محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد اللّه الجهني قال: تزوج رجل امرأة من جهينة وولدت له طفلة بعد ستة أشهر. ذهب الزوج إلى عثمان رضي الله عنه وأخبره بالأمر، فأرسل لها عثمان رضي الله عنه ، وعندما حاولت الاستعداد لاستقباله بدأت أختها بالبكاء. وعندما سألتها عن سبب بكائها، قالت: لم يحدث من قبل أن ولدت امرأة طفلا بعد ستة أشهر فقط، ولكن الله يفعل ما يريد. عندما جاءت إليه عثمان رضي الله عنه، أمر برجمها، وعندما علم علي رضي الله عنه بالأمر، قال له: “هل تقرأ القرآن؟” فأجاب: “نعم”، فقال له: “ألم تسمع قول الله تعالى: { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } و { حولين كاملين }؟ فلم يبق إلا ستة أشهر.
قال: قال عثمان رضي الله عنه: والله لم أنتبه لذلك، عليكم بالمرأة، فوجدوها قد أنجبت. فقال معمر: فوالله ليس هناك أشبه من الغراب بأبيه، ولا البيضة بالبيضة. فعندما رأى أبوه ابنه، قال: والله لا يوجد شك في هويته. وابتلاه الله تعالى بتلك القرحة الآكلة في وجهه، وظلت تتسبب في إيلامه حتى مات. [رواه ابن أبي حاتم، وقد نقلناه من زاوية أخرى].
وقال ابن عباس: إذا قامت المرأة بالرضاعة لمدة تسعة أشهر، يكفي ذلك لمدة واحد وعشرين شهرا، وإذا قامت بالرضاعة لمدة سبعة أشهر، يكفي ذلك لمدة ثلاثة وعشرين شهرا، وإذا قامت بالرضاعة لمدة ستة أشهر، يكفي ذلك لمدة عامين كاملين، وذلك لأن الله تعالى يقول: `وحمله وفصاله ثلاثون شهرا`، `حتى يبلغ أشده` يعني قوته ونموه وتطوره، `وبلغ أربعين سنة` يعني استيعابه وفهمه وصبره، ويقال إنه عادة لا يتغير كثيرا عن حالة الشخص عند بلوغه أربعين سنة.
ذكر الحافظ الموصلي، بنقله عن عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: `إذا بلغ العبد المسلم سن الأربعين، يخفف الله حسابه. وإذا بلغ سن الستين، يرزقه الله بالتوبة إليه. وإذا بلغ سن السبعين، يحبه أهل السماء. وإذا بلغ سن الثمانين، يثبت الله تعالى حسناته ويمحي سيئاته. وإذا بلغ سن التسعين، يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشفع له في أهل بيته، وتكتب في السماء كلمة الله أنه سيكون أسير الله في أرضه.` تم ذكره في مسند الإمام أحمد بشكل مشابه مع عدم ذكر الحافظ الموصلي.
{يقول: رب أوزعني} ، أي أوح لي {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه} في المستقبل ، {وأصلح لي في ذريتي} أي في نسلي وعقبي، {إني تبت إليك وإني من المسلمين} ، ويشير هذا إلى أنه من المستحسن لمن بلغ الأربعين أن يتوب ويعود إلى الله عز وجل بإرادة قوية ، وفي سنن أبو داود ، روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد: “اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك قابليها ، وأتممها علينا}.