سبب نزول الآية ” ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني “
يقول الله تعالى: `ومنهم من يقول: ائذن لي ولا تفتني إلا في الفتنة. سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. إن تصيبك حسنة يسؤهم، وإن تصيبك مصيبة يقولوا: قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون`. [سورة التوبة: 49-50]
تفسير ابن كثير
يقول تعالى: ومن المنافقين من يأتيك يا محمد ويطلب إذنا للجلوس، ويحذرك من إغراء الخروج معك بسبب وجود نساء الروم الجواري. يقول الله تعالى: `ألا إنهم سقطوا في الفتنة` أي سقطوا في الفتنة بسبب قولهم هذا. نزلت هذه الآية فيما يتعلق بالجد بن قيس، وكان الجد بن قيس من أشراف بني سلمة، أي أنه كان يخشى نساء بني الأصفر، وهذا ليس بسبب يستحق ذلك. فقد سقط في الفتنة بسبب تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة في الانفصال عنه.
قال تعالى: “وإن جهنم لمحيطة بالكافرين”، وهذا يعني أنه لا مفر منها ولا هروب منها للكفار. يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بعدوانهم عليه، ولذلك مهما حدث من فتح ونصر وانتصارات عليهم، فإنهم لن يسعدوا بهذا، بل سيقولون إنهم قد استفادوا من أمورهم المتعلقة بالدين قبل ذلك. ويعود ذلك لأن المنافقين المتخلفين في المدينة كانوا يروجون لأخبار سيئة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويزعمون أنهم هم السبب في حدوث كل الأزمات والصعوبات. ولذلك، أنزل الله هذه الآية ليبين ذلك: “إن تصبك حسنة تسؤهم، وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل”. وبسبب هذا، فإنهم سيتولون بفرح عند حدوث الأمور السيئة
سبب نزول الآية { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي }
نزلت هذه الآية في الجد بن قيس: { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا } ويعني جل ثناؤه بقوله: { ومنهم } وهم المنافقين، { من يقول ائذن لي } يعني قم بمفردك، { ولا تفتني } أي لا تجعلني أتعرض للفتنة بالنظر إلى نساء بني الأصفر وبناتهم، فإني مغرم بالنساء، فأخرج وأؤذن بذلك. ويظهر من التأويل الأخبار عن أهل التأويل.
ذكر الرواية بذلك عن مجاهد، في قول الله: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم»، فقال الجد: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء، وقال مجاهد وابن جريج: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اغزوا تغنموا بنات الأصفر» وهو يعني نساء الروم، وقال ابن عباس: قوله {ائذن لي ولا تفتني} هو الجد بن قيس، وقال: إن الأنصار يعرفون أنني عندما أرى النساء لا أستطيع الصبر حتى أفتتن، ولكن انظر إلى ثروتي
عن محمد بن إسحاق، قال: في يوم من الأيام، وهو في جهازه للجد بن قيس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟` فقال: `يا رسول الله، هل تسمح لي ولا تفتنني؟ فوالله، إن قومي يعلمون أني رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى أن لا أصبر إذا رأيت نساء بني الأصفر!`” فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقال: `أذنت لك.` ونزلت هذه الآية في جد بن قيس: `ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني`. أي إنه يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك من شأنه، وما سقط فيه من الفتنة بسبب تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبته الشخصية عن نفسه أعظم.
قال ابن زيد، في قوله: ومن بينهم من يقول: `أعطني الإذن ولا تفتني`. قال: هذا رجل من المنافقين يدعى جد بن قيس، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: `في العام القادم سنهاجم بني الأصفر ونأخذ منهم الأغنام والإبل`. فقال جد بن قيس: `أعطني الإذن ولا تجعلني أفتن`. وإذا لم تعطه الإذن سيفتن ويسقط. فغضب الله عليه وقال: `ألا إنهم سيسقطون في الفتنة، وإن جهنم محيطة بالكافرين`. وكان جد بن قيس من قبيلة بني سلمة، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: `من هو سيدكم يا بني سلمة؟`. فأجابوا: `جد بن قيس، ولكنه بخيل وجبان`. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: `ولكن سيدكم الأبيض الجعد الفتى براء بن معرور هو الأفضل`.
تفسير القرطبي
وقوله: يقول الآية: “وإن جهنم لمحيطة بالكافرين”، وتعني أن النار محاطة بالذين كفروا بالله وأنكروا آياته وكذبوا رسله، وستحيط بهم من كل جانب في يوم القيامة، وبالتالي، فإن الصلاة التي يصليها الجد بن قيس وأشكاله من المنافقين في النار ستكون سببا لخزيهم.
قوله تعالى: يقول الله تعالى في ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: “إذا أصابتك حسنة، يتألم المنافقون ويقولون إنهم قد استعدوا لها مسبقا، وإذا أصابتك مصيبة، يقول الجد بن قيس ونظراؤه: {قد أخذنا أمرنا من قبل} يعني أنهم اتخذوا الحيطة والحذر من محمد وتركوا اتباعه لأعدائهم. {من قبل} يعني قبل حدوث تلك المصيبة .
{ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } يقول: ويرتدوا عن محمد، وهم فرحون بما أصاب محمدا وأصحابه من المصيبة بفلول أصحابه وانهزامهم عنه وقتل من قتل منهم. وبحسب ما ذكر في التأويل، قال ابن عباس: `إن تصبك حسنة تسؤهم`، أي إن تصيبك خيرة في رحلتك هذه إلى غزوة تبوك، سيزعجهم ذلك. وقالوا: الجد وأصحابه. وقال مجاهد: `قد أخذنا أمرنا من قبل`، أي حذروا، وقال قتادة: `إن تصبك حسنة تسؤهم`، إن كان فتحا للمسلمين، فسيكون عليهم عظيم الأسى والحزن.