سبب نزول الآية ” وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله “
{مما يملك الله في السماوات والأرض، وإن كشفتم ما في أنفسكم أو أخفيتموه، سيحاسبكم الله عليه، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير} {البقرة: 284}، عندما نزلت هذه الآية على المسلمين وجدوا فيها صعوبة في تحملها، فلجأوا للرسول صلى الله عليه وسلم ليخفف عنهم، ولكن الرسول حذرهم من عصيان أوامر الله وأمرهم بالطاعة، فاستجابوا لكلام رسول الله وأعلنوا السمع والطاعة واستغفروا على سوء أدبهم، فما فعل رب العزة إلا أن طمأنهم وبشرهم بأن الله لن يحاسب النفس إلا بسبب الأخطاء التي ارتكبوها أو الطاعة التي قدموها.
نزول الآية :
قال الإمام مسلم رحمه الله، حدثني محمد بن منهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي، قالا حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح وهو `أبو القاسم` عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: عندما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية: `لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير` (البقرة: 284)، قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله، ثم بركوا على الركب، فقالوا: أيها رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نستطيع الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، ولقد أنزلت هذه الآية عليك ولا نستطيعها.
الأمر بالسمع والطاعة :
قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ” أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا ؟، بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير”، قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في أثرها { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} {البقرة: 285}، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قال : نعم، { رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}، قال : نعم، { رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قال : نعم، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {البقرة: 286}، قال : نعم.
ما يستفاد من الآيات :
عندما نزلت الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}، أصبح الأمر صعبا على المسلمين. فكيف يمكننا أن نحاسب على ما نكتمه وما نظهره، إذ يشكل ذلك عبئا كبيرا على النفس لا يمكننا تحمله. لذلك، لجأوا إلى رسول الله لينقذهم من هذا الحمل الثقيل. ولكن رسول الله أوضح لهم عواقب عدم اتباع أوامر الله، وأعطى لهم أمثلة على ذلك. فعادوا عن عدم القدرة على الطاعة، وقالوا “سمعنا وأطعنا” وطلبوا المغفرة من الله. فجاءتهم البشارة بأن الله لا يكلف نفسا إلا ما تستطيع حمله، وأن لكل نفس ما تكسبه من أعمال صالحة، وأنها ستحمل عواقب أفعالها.