سبب نزول الآية ” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر “
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” [التوبة: 29]
سبب نزول الآية:
ورد في تفسير بن كثير أن هذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين اللّه أفواجاً واستقامت جزيرة العرب، أمر اللّه ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع؛ ولهذا تجهز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم، واجتمع من المقاتلة نحو ثلاثين ألفاً، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم؛ وكان ذلك في عام جدب، ووقت قيظ وحر، وخرج رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام بها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار اللّه في الرجوع فرجع عامه ذلك لضيق الحال، وضعف الناس.
تفسير الآية:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: أمر الله تعالى نبيه بمقاتلة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لما كفروا بمحمد صل اللّه عليه وسلم لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ولا بما جاءوا به، وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه، لا لأنه شرع اللّه ودينه، لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيماناً صحيحاً لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صل اللّه عليه وسلم، لأن جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه، فلما كفروا به وهو أشرف الرسل علم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من عند اللّه، بل لحظوظهم وأهوائهم، فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء، وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم، ولهذا قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} الآية.
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ }: إذا لم يسلموا {عن يد}: أي باستخدام القوة والتغلب عليهم {وهم صاغرون}: أي يعتبرون مهانين وذليلين. لذا، لا يجوز إعطاء أهل الذمة مكانة مرموقة أو رفعتهم على المسلمين، بل هم أشخاص مهانون وصغار وأشقياء. كما جاء في صحيح مسلم: “لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه.
لهذا السبب، وضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شروطا محددة لإذلال واستصغار وازدراء النصارى. وذلك وفقا لما روى الحفاظ الأئمة في رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حيث قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما وفقت نصارى من أهل الشام: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نصارى مدينة كذا وكذا. عندما أتيتم إلينا، طلبنا منكم الأمان لأنفسنا وأطفالنا وأموالنا وأتباع ديننا. ووضعنا شروطا عليكم أن لا تقيموا ديرا أو كنيسة أو معبدا أو كنيسة راهب، ولا تجددوا ما دمر منها، ولا تحيوا ما كان مخططا للمسلمين، ولا تمنعوا المسلمين من زيارة كنائسنا ليلا أو نهارا.
وأن نفتح أبوابها للمارة والمسافرين، وأن نرحب بكل من يمر بنا من المسلمين لمدة ثلاثة أيام ونقدم لهم الطعام، وأن لا نستضيف في كنائسنا ومنازلنا أي جاسوس، وأن لا نخفي الغش عن المسلمين، وأن لا نعلم أبناءنا القرآن، وأن لا نظهر أي شرك، وأن لا ندعو أحدا للانضمام إليه، وأن لا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا من الدخول في الإسلام إذا أرادوا ذلك، وأن نحترم المسلمين، وأن نقف لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، وأن لا نتشابه معهم في أي شيء من ملابسهم، سواء كانت قلنسوة أو عمامة أو نعال أو تسريحة الشعر، وأن لا نستخدم لغتهم في كلامنا، وأن لا نسخر منهم، وأن لا نركب الخيل، وأن لا نحمل السيوف، وأن لا نتعاطى أي نوع من الأسلحة، وأن لا نحملها معنا، وأن لا ننقش خواتمنا بالعربية، وأن لا نبيع الخمور.
ونحن ملتزمون بتنفيذ شروطنا وتعهداتنا، ونلتزم بالتواجد في المكان المحدد، ونرتدي ملابسنا التقليدية، ولا نعلق صليبا على كنائسنا، ولا نعرض رمزنا وكتبنا في أي مكان يمر به المسلمون أو في أسواقهم، ولا ندق أجراسنا في كنائسنا بصوت عال، ونقتصر على دقها بشكل خفيف فقط، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا عندما يكون المسلمون حاضرين، ولا نزعج المساجد والمصلين، ولا نصاحب موكب الجنائز، ولا نعرض النيران معهم في الأماكن التي يمرون بها المسلمون أو في أسواقهم، ولا نتواجد بالقرب منهم أثناء مراسم الجنائز، ولا نستخدم الرقيق الذي يعاني من هجمات المسلمين، ونقوم بتوجيه المسلمين دون دخول منازلهم.” قال: فعندما قدمت الكتاب لعمر، زاد فيه وقال لم نضرب أحدا من المسلمين بشروطنا هذه عليكم فحسب، بل نحن أيضا ملتزمون بها تجاه أنفسنا وأتباعنا، ووافقنا على العهد المتفق عليه، فإذا تجاوزنا في أي شيء من شروطنا هذه وانتهكنا التزامنا، فليس لنا أي حماية قانونية، ويمكنكم أن تعاملوا معنا كأعداء متمردين ومثيرين للفتنة)