سبب نزول الآية ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم “
قال الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103]
سبب نزول الآية
ورد في اللباب: ذكر ابن جرير: أتوا أبو لبابة وأصحابه بأموالهم حين أُطلِقَوا، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا، فتصدق بها واستغفر لنا، فقال: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا». فأنزل الله الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
وعن قتادة: نزلت هذه الآيات في سبعة أشخاص هم: أبو لبابة ومرداس وأوس بن خزان وثعلبة بن وديعة وربطوا أنفسهم، وبالتالي يعتقد بعض المانعين من الزكاة أن دفع الزكاة إلى الإمام ليس مطلوبا إلا من الرسول صلى الله عليه وسلم، واستندوا إلى قول الله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة }، لكن أبو بكر الصديق رد عليهم وقاتلهم حتى أدوا الزكاة كما كانوا يؤدونها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقال الصديق: والله لو منعوني عناقا – أو عقالا – لقاتلتهم على منعها.
تفسير الآية بن كثير
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأخذ صدقة من أموال المؤمنين لتطهيرهم وتزكيتهم بها، وهذا الأمر عام وشامل لجميع المؤمنين. ويمكن استخدام الضمير في كلمة “أموالهم” للإشارة إلى الذين يعترفون بذنوبهم. ويأمر الله تعالى رسوله بالدعاء والاستغفار لمن أخذت من أموالهم الصدقة، وذلك كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صدقة من قوم دعا لهم وصلى عليهم، وحينما أتاه أبي بصدقته قال: `اللهم صل على آل أبي أوفى`.
وفي الحديث الآخر: قالت امرأة: “يا رسول الله، صل على وعلى زوجي”، فأجاب: “صلى الله عليك وعلى زوجك”. وقال: “إن صلاتك ستكون رحمة لهم”، فقد قال ابن عباس: “رحمة”، وقال قتادة: “وقار”، وقال: “والله سميع عليم”، أي يعلم من يستحق الدعاء ومن هو كفؤ له.
تفسير الآية القرطبي
قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}” تختلف هذه الصدقة المأمور بها؛ فقيل: إنها الصدقة الفرض؛ قال جويبر عن ابن عباس، وقيل: إنها مخصوصة للمنزل به؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ثلث أموالهم، وهذا ليس من الزكاة المفروضة في أي شيء؛ ولهذا قال مالك: إذا تصدق الرجل بجميع ماله، يجزئه إخراج الثلث؛ متمسكا بحديث أبي لبابة.
القول الأول هو خطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، يشير بشكل واضح إلى أن هذا الخطاب يتعلق به وحده ولا يحق لأحد آخر أخذ الصدقة المعنية به. ومن ثم، فإن سقوط الصدقة يتزامن مع سقوط النبي صلى الله عليه وسلم، وتنتهي بموته. ولذلك، رفض مانعو الزكاة دفع الصدقة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واعتبروا أنهم لا يمكنهم دفع الصدقة لأي شخص آخر بدلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الصدد، أجاب أبو بكر: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة).
ابن العربي: بخصوص قولهم أن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يعبرون عن جهلهم بالقرآن وغفلتهم عن مصادر الشريعة وتلاعبهم بالدين. ففي القرآن، لم يرد الخطاب في باب واحد فقط، بل اختلفت مصادره بأشكال مختلفة. فمنها الخطاب الذي يتوجه به إلى الأمة بأكملها، مثل قوله: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } [المائدة:6]. ومنها الخطاب الذي يخص به فقط دون غيره، سواء في اللفظ أو المعنى، مثل قوله: { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } [الإسراء:79]. ومنها الخطاب الذي يخص به اللفظ ويشترك معه الجميع في المعنى والفعل، مثل قوله: { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [الإسراء:78] وقوله: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } [النحل:98]. فكل من تشير إليه الشمس فهو مخاطب بالصلاة، وكذلك كل من يقرأ القرآن فهو مخاطب بالاستعاذة. ومن هذا النوع أيضا قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }
قوله تعالى: وصل عليهم” أصل في فعل كل إمام يأخذ الصدقة، أن يدعو للمتصدق بالبركة. وروى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: “اللهم صل عليهم”. فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته، فقال: “اللهم صل على آل أبي أوفى”. وذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: “ولا تصل على أحد منهم مات أبدا” [التوبة: 84]. فقالوا: فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده خاصة، لأنه خص بذلك.
واستدلوا بقوله تعالى: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } [النور: 63] الآية. وعبد الله بن عباس كان يقول: لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والقول الأول هو الصحيح؛ فالخطاب ليس مقتصرا على الدعاء بين الناس كما ذكر سابقا، وهذا يأتي في الآية بعدها، لذا يجب أن نتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقتدي به، لأنه كان يطيع الله ويركب سنته.
عندما تدعو لهم بصدقاتك ويأتون، ستهدأ قلوبهم ويفرحون بها، كما قال النبي: `صل عليهم عندما يأتون.` وروى جابر بن عبدالله قصة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال لزوجته: `لا تسألي النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء.` فقالت الزوجة: `هل يخرج النبي من عندنا ولا نسأله شيئا؟` ثم طلبت من النبي أن يصلي على زوجها، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: `صلى الله عليك وعلى زوجك.` في هذا السياق، الصلاة هي الرحمة والتعاطف.
قال النحاس: وحسب ما وصلنا من علم اللغة، يقصد بالصلاة في كلام العرب الدعاء، ومن ضمن ذلك الصلاة على الجنائز. وقد قرأ حفص وحمزة والكسائي في سورة التوحيد “إن صلاتك” بالتشديد، وجمع الآخرون. ويختلفون في قراءة الآية “أصلاتك” في سورة هود: 87، فقرأ قتادة “وقار لهم”، وقرأ آخرون “سكون” بسكون الكاف، ومعنى السكن هو ما يطمئن به القلب ويسكن به النفس.