سبب نزول الآية ” إنك لا تهدي من أحببت “
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [ سورة القصص: 56 : 57 ].
سبب نزول الآية :
ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في صفه ويحبه حبا شديداً، فلما حضرته الوفاة دعاه رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فاستمر على ما كان عليه من الكفر، وللّه الحكمة التامة، روى الزهري عن المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صل الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أُمية بن المغيرة.
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : « يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله »، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان عليه بتلك المقالة، حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: « والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » فأنزل الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] وأنزل في أبي طالب: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة قال: عندما حضرت وفاة أبي طالب، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: `يا عماه، قل لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة`. فرد عليه قائلا: `لولا أن تعرضني للسخرية من قبل قريش، فإنهم سيقولون إن الموت هو السبب في قولها، لأكون قد أكدتها عينيك. لن أقولها إلا لأرى تأكيدك بها عينيك`. فنزلت الآية الكريمة: `إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين`.” [رواه مسلم والترمذي].
تفسير الآيات ابن كثير :
يقول تعالى لرسوله صل الله عليه وسلم : إنك يا محمد { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أي ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء، كما قال تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة:272 ]، وقال تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ]، وقوله تعالى: { وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } يقول تعالى مخبراً عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صل الله عليه وسلم : { إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطفونا أينما كنا.
قال الله تعالى مجيباً لهم : {ألم يكن بوسعهم أن يتمتعوا بحرم آمن}” هذا يعني أن العذر الذي اعتذروا به كان كاذبا وغير صحيح، لأن الله تعالى جعلهم في بلد آمن وحرمهم منذ البداية، فكيف يمكن أن يكون هذا الحرم آمنا لهم في حالة كفرهم وشركهم؟ ولن يكون آمنا إذا أسلموا واتبعوا الحق. وقوله تعالى: “{يأتيه ثمرات كل شيء}” يعني جميع الثمار التي تحيط به من الأشجار وغيرها، وكذلك التجارة والممتلكات “{رزقا من عندنا}” يعني من رزقنا. ولكن معظمهم لا يعلمون، ولهذا قالوا ما قالوه.