رحلة هيو جلاس العائد من الموت
” هيو جلاس ” هو صاحب أحد أعظم قصص النجاة والعودة من الموت، من خلال رحلته الأسطورية والتي أثرت ومازالت تؤثر في كل من يعرف بها أو يقرأ عنها، فـعلى الرغم من كل الصعاب التي تعرض لها خلال رحلته لم يستسلم لنهايته ولكنه أصر على الصمود وتحقيق ما كان مستحيلًا، مما جعل قصته مادة دسمة للإبداع الفني يحبو إليها صناع السينما لما تحمله من أحداث تجذب المشاهد، وبذلك استطاع ” هيو جلاس ” أن يحفر اسمه على جدران التاريخ.
من هو هيو جلاس ؟
ولد ” هيو جلاس ” بأمريكا وبالتحديد في ولاية بنسلفانيا وكان أبويه من أصول أيرلندية، وبعد فترة قرر الأبوين أن ينتقلا للعيش على الحدود الأمريكية وهناك ترعرع هيو، ولأن غالبية السكان هناك كانوا يعملون بمهنة صيد الحيوانات لذلك فقد احترف هيو جلاس مهنة أهله، وكان يسافر مع باقي الصيادين في رحلات طويلة لاصطياد الحيوانات حتى يمكنهم الحصول على فرائها وبيعه، وقد أشتهر هيو بشجاعته ومهارته في الصيد كان ذو قلب جرئ في مواجهة الحيوانات كما كان قناصا بارعًا وهذا ما جعل من يتاجرون في الفراء يتقاتلون عليه متمنيين أن يقوم بالعمل معهم.
حادثة مفجعة كادت أن تودي بحياته :
في يوم من الأيام، ذهب `هيو` في رحلة لصيد الدببة مع مجموعة من رفاقه. وأثناء بحثه عن فريسة جديدة، هاجمه أشد أنثى دب بني بشراسة ووحشية. قبل أن يطلق النار عليها لقتلها، تسببت في جروح خطيرة وإصابات عميقة له. وقيل أن عظم ظهره كان مكشوفا، بالإضافة إلى كسر ساقه وتمزيق فروة رأسه بأنيابها.
الصورة التي كان عليها “هيو جلاس” جعلت من كانوا بصحبته يجزمون بأنه سوف يهلك حتمًا من شدة الجراح التي كانت موزعة في أنحاء متفرقة من جسده، لذلك فقد قرر من كان يقود الرحلة الذهاب هو ومن معه من الصيادين وأن يقوم بترك اثنان من رفقائه معه مهمتهم دفنه بعد موته وهما “فيتز جيرالد” و “بريدج”.
هيو جلاس يصارع الموت وحيدًا :
لم يجد “هيو جلاس” من رفقائه سوى الخيانة والغدر فقد تم احتلال ممتلكاته وتركوه وحيدا يصارع الموت بلا رحمة، ثم عادوا إلى زعيمهم ليدعوا أن “جلاس” توفي. عانى “هيو جلاس” لساعات وأيام طويلة من الألم والعذاب بسبب جروحه القاسية التي تسببت بها الدبة في جسده وجروحه الأخرى التي تسببت بها زملاؤه في قلبه، ومع ذلك، قرر عدم الاستسلام للموت رغم عدم وجود أدوات للدفاع عن نفسه ضد أي شيء يهدده.
لم يكن هناك أي أمل في نجاة جلاس، وأقرب مكان يمكنه الذهاب إليه لطلب المساعدة يبعد حوالي 320 كيلومترًا تقريبًا، وهذه المسافة الطويلة يصعب الوصول إليها حتى بالنسبة للأشخاص الأصحاء، فما بالك بحالة مثل تلك التي كان عليها هيو جلاس.
نظر هيو لعظام ساقه المحطمة فتمالك قواه وقام بردها وإذ به يجد فراء الدب الذي تركه أصحابه فقام بلف جسده به، ولأنه كان من المستحيل عليه الوقوف على قدمه قام بالزحف حتى استطاع الوصول إلى جذع شجرة قد أصابه العفن وقام بوضع ظهره عليه حتى تأكل اليرقات من اللحم الميت الذي حول الجرح.
لم يواجه جلاس جروحه فقط ولكنه واجه الطبيعة بقسوتها أيضا ففي أثناء رحلته التي استمرت ستة أسابيع والتي تكبد فيها كل أنواع العذاب الذي لا يتحمله بشر من مواجهة البرد القارس والعواصف الشديدة بالإضافة لهروبه من الهنود الحمر الذين كانوا يطاردونه باستمرار وهذا ما جعل “هيو جلاس” في رحلته تلك لا يتخذ طريق نهر “الجراند ريفر” حتى يتفادى لقائه بهم، فاختار أن يتجه إلى تل الرعد.
تألم هيو جلاس جدا من الجوع والعطش أثناء رحلته الطويلة، وكانت وسيلة البقاء الوحيدة بالنسبة له هي تناول أي شيء يصادفه ليستطيع مواصلة رحلته. تناول الجذور والتوت البري وأوراق الشجر، وأكل لحم الحيوانات الميتة. وبعد كل تلك الصراعات، تمكن “هيو جلاس” أخيرا من لقاء بعض الهنود الأصليين الذين ساعدوه بتطييب جروحه العميقة وتزويده بالسلاح والمؤن، مما سهل عليه استكمال رحلته الشاقة. وبعد ذلك، نجح “هيو جلاس” في الوصول إلى حصن “كيوا”، حيث قام بصنع قارب بدائي بنفسه وتم جره من قبل النهر إلى هناك، وبذلك تمكن هيو من إنقاذ حياته بمفرده بعد محاولات لا يستطيع أحد تصديقها.
عفو رغم ما مر به من جحيم :
بعد فترة طويلة من الزمن، تمكن جلاس من استعادة صحته مرة أخرى، ثم قرر أن يذهب للبحث عن الأشخاص الذين تركوه في الظلام وحدة دون أن يفكر في مصيره. لذلك، بحث كثيرا حتى وصل إلى أصغرهم سنا وهو “بريدج.” بسبب صغر سنه الذي لم يتجاوز التسعة عشر عاما، قرر جلاس أن يسامحه، أما الآخر “فيتز جيرالد” فقد علم بأنه انضم إلى الجيش الأمريكي، لذا ذهب إليه في حصن “اتكنسون” وطالبه بإعادة الأموال والسلاح الذي سلبه منه. وبالفعل، استرد جلاس ممتلكاته منه. في النهاية، قرر هيو جلاس أن يسامحه أيضا بعد استعادة ممتلكاته.
أسطورة العائد من الموت :
من المذكور أعلاه، نجد أن `هيو جلاس` يعتبر مثالا للإنسان المثابر، الذي لا يفقد الأمل في حياته. بعد تحمله الصعاب الشديدة والمستحيلة، نجح في النجاة من الموت بشكل معجزة وأصبح رمزا للقوة والصمود. طالما أن القلب ينبض، يستطيع الإنسان أن يفعل ما هو مستحيل. كما قد قدم مثالا في العفو، حيث أدرك أن الانتقام يؤذي الشخص نفسه أكثر مما يؤذي الآخرين. علينا أيضا أن نتذكر أنه لا ضرر في منح الأمان لأولئك الذين يقربون منا، ولكن يجب أن نحذر قليلا لكي لا نندم في النهاية بدون فائدة.