رحلة ابن فضلان العجيبة الى بلاد الصقالبة والبلغار
كتب التاريخ امتلأت بأخبار الرحالة العرب، هؤلاء الرجال الذين طافوا أصقاع العالم ودخلوا بلادا جديدة وغريبة ويسجلون كل تفصيل من رحلاتهم، ومن ذلك المعالم والأشكال والعادات والملابس وجوانب حياة سكان تلك البلدان. وأصبحت هذه الكتابات جزءا من أدب الرحلات، ومصدرا مهما للتاريخ والجغرافيا، وفي التاريخ الإسلامي ظهر عدد من الرحالة الشهيرين مثل ابن بطوطة، الإدريسي، بن جبير، أحمد بن ماجد، وأحمد بن فضلان.
من هو احمد بن فضلان؟
أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي كان عالما مسلما في القرن العاشر الميلادي. تميز بمعرفته العميقة ووصوله إلى مرتبة متقدمة في الحكومة الخلافية، حيث حظي بثقة الخليفة. فقد تم اختيار ابن فضلان من بين سفراء الخليفة العباسية للسفر إلى بلاد الصقالبة أو بلغار الفلجا في عام 921 ميلادية. وكان الهدف من هذه الرحلة هو نشر الإسلام وبناء مسجد وقلعة لتحسين البلاد، حسب طلب ملك بلاد الصقالبة ألموش بن يلطوار.
رحلة ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة والبلغار
أبدى ملك الصقالبة اهتماما كبيرا بكيفية قدوم الدين الإسلامي من الصحراء وقدرته على بناء إمبراطورية كبيرة. لذلك، طلب ملك الصقالبة من الخليفة العباسي المقتدر بالله أن يرسل إليه من يشرح الدين الإسلامي. فنظم الخليفة رحلة وعين سوسن الرسي كقائدة للرحلة، وشارك فيها تكين التركي وبارس الصقلابي. وقدم الكاتب في الرحلة رجلا يتمتع برؤية ثاقبة وقدرة تحليلية، وكان لديه معرفة واسعة بالشعوب وكان رجل دولة وفقيه، وهو أحمد بن فضلان. وشملت الرحلة مجموعة من العلماء والفقهاء والتجار.
كانت الرحلة التي انطلقت للسفر إلى بلاد الصقالبة رحلة شاقة، فقد فقدت الرحلة عددًا من أفرادها على طول الطريق ولكنهم وصلوا إلى وجهتهم. وقدم ابن فضلان وصفًا دقيقًا لكل من مر بهم خلال رحلته في بلاد الترك والصقالبة والخزر، ولمن عرفوا بالروس.
تعد رسالة بن فضلان حول تلك الرحلة واحدة من أهم المصادر المتعلقة بتلك المنطقة وتاريخ أوروبا، وهي وثيقة قيمة تستخدم كمرجع في علم الاجتماع والأساطير حول سكان المناطق التي مر بها بن فضلان، بداية من إيران وحتى جنوب روسيا.
وصف قبائل الرس
فيما يتعلق بالصقالبة البلغار، لم يترك بن فضلان أي جانب من جوانب حياتهم دون الحديث عنه، حيث وصف أشكالهم وملابسهم وحياتهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
قدم ابن فضلان وصفا مهما عن قبائل الرس، وهي إحدى القبائل الإسكندنافية، ويعد هذا الجزء الخاص بقبيلة الرس واحدا من أهم الأجزاء في رحلة ابن فضلان، والذي وضح فيه الكثير من عادات شعوب الفايكنج في تلك الفترة، والتي كانت من أكثر فترات أوروبا تخلفا وإظلاما، حيث قال عن قبائل الرس “وشاهدت الروس وهم يقومون بتجارتهم، ونزلوا على نهر إتل، ولم أر أجسادا أكمل منهم، حيث بدوا وكأنهم نخل شقر حمر، ومع كل رجل منهم فأس وسكين وسيف لا يتركونه أبدا.
كما قدم وصفًا لتعاملهم مع حيث الموتى والطقوس التي يقومون بها فقال بأنه إذا أصاب أحدهم المرض وضعوا له خيمة بعيدًا عنهم وتركوه فيها مع بعض الماء والخبز دون أن يكون بجانبه أحد فإن شفى يعود إليهم وإن مات فكان من المماليك تركوه حتى تأكله الحيوانات والجوارج، أما إن كان غير ذلك فيقومون بحرق جثته وكل حسب حالته، فالفقير يتم تجهيز مركب صغير يوضع بها ويحرق، بينما الأغنياء فكل حسب مقدرته حتى أنه قدم وصفًا دقيقًا لمراسم حرق الملك عندما مات والتي دلت كثيرًا على مدى الظلام والجهل الذي كانت تعيشه تلك البلاد والتي اعتمدت في حياتها وطقوسها على السحر والأساطير القديمة.
أهمية رحلة بن فضلان
تعود أهمية رحلة بن فضلان إلى كونها المرجع الأول للحياة في المنطقة التي مر بها الرحالة، إضافة إلى دقة الوصف وعدم التحيز، وخاصةً فيما يتعلق بالصقالبة والبلغار والروس، حيث قدم أول وصف لتلك الشعوب وعرفهم بتاريخ تلك المنطقة.
لم تحظَ رسالة بن فضلان حول تلك الرحلة بالشهرة إلا بعدما ذكر ياقوت الحموي بعضَ أجزائها، وهذا كان السبب في بدء المستشرقين والباحثين بالبحث عن تلك الرحلة والتعرف على المخطوطة الأصلية لابن فضلان.
أثرت تلك الرسالة كثيرًا حتى أنه تم تحويل أحداثها إلى فيلم قامت السينما الامريكية بتقديمه ولكن بعد تحوير بعض الاحداث وكان اسم الفيلم الفارس الثالث عشر، حيث قدم فيه الممثل أنتونيو بانديرس دور أحمد بن فضلان، وقد قال المؤلف هنا بأن الإضافات التي أدخلها على الفيلم قام بأخذها من رواية تسمى آكلة الموت والتي أدعى بأنها تحتوي على النص الكامل لرسالة ابن فضلان، كما أن رحلة بن فضلان انتهت عند نهر الفولجا إلا أن الفيلم دارت احداثه في بلاد السويد وربما يعود ذلك إلى أن هناك من قالوا بأن رحلة ابن فضلان تعدت نهر الفولجا ووصلت إلى حدود القطب الشمالي والذي يعده البعض ضربًا من الأساطير التي أحاطت بتلك الرحلة.
رغم أن رحلة بن فضلان هي واحدة من أهم المصادر حول تلك الفترة المظلمة في أوروبا، إلا أنها تكتنفها الغموض وتحتاج للاستكشاف والتنقيب عنها لإزالة الغموض المحيط بها، وهي واحدة من الرحلات الغامضة التي أجراها بن فضلان.