دور الآثار في التواصل بين الماضي والحاضر
ما دور الآثار في التواصل بين الماضي والحاضر
علم الآثار هو دراسة الماضي الإنساني، سواء القديم أو الحديث، من خلال الآثار المادية، فعلماء الآثار يدرسون حفريات تعود إلى مليون عام لأسلاف البشر في إفريقيا، أو يدرسون مباني في مدينة نيويورك الحديثة من القرن العشرين، وذلك لفهم وتحليل الثقافة الإنسانية.
يمكن لعلم الآثار أن يعطينا فكرة عن حياة الأجيال في العصور التاريخية القديمة، وشكلها وطبيعتها. ويعتبر هذا العلم مهمًا لربط الماضي بالحاضر والمستقبل، لأن معرفة الإنسان لماضيه وحاضره يمكنه من تشكيل مستقبله ومستقبل الأجيال اللاحقة.
يعد التراث العمراني واحدًا من أهم جوانب التراث الثقافي والتاريخي، حيث يربط بين الماضي والحاضر ويساهم في تعريف الناس بحضارة وتاريخ أسلافهم، مما يخلق رابطة قوية بين الوطن والمواطنين، ويساهم في تعريف وحفظ تاريخ كل فرد من المجتمع عبر الأجيال.
يعتبر “علم الآثار البيولوجي” واحدا من الفروع الأساسية لعلم الآثار، حيث يقوم بدراسة التنوع البيولوجي والسلوكي للإنسان في الماضي والحاضر، ويساهم في إعادة بناء السلوك القديم من خلال دراسة الأشياء التي تركها الناس وراءهم. وعندما يتم دمج علم الآثار مع دراسة التغيرات البيولوجية التي تعرضت لها الإنسانية على مدى ملايين السنين الماضية، يساعد علم الآثار على فهم النجاح التطوري للإنسان الحديث بشكل أفضل.
عند البحث عن علم الآثار، ستجد أنه متعدد التخصصات بطبيعته، ويمكن استخدام المحتوى الأثري لتدريس الكيمياء والفيزياء وعلم الأحياء وعلوم الأرض والتاريخ والدراسات الاجتماعية والفن ومواضيع أخرى، ويمكن أن يكون علم الآثار طريقة جيدة لتدريس المزيد من المبادئ المجردة.
ويحاول علماء الآثار في كثير من الأحيان فهم كيفية تكيف البشر مع تغير المناخ في الماضي، مما يمنحنا منظورًا للتفاعلات البشرية الحالية مع الكوكب، ويعتمد البحث الأثري على الأشياء والأدلة، لذلك يمكن استخدامه للتدريس بشكل عام، ويمكن استخدامه أيضًا لتعليم مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والمواطنة، وتعزيز التعلم الجماعي والتعاوني، وهي طريقة ممتازة لتعزيز الوعي الثقافي.
وبالنسبة لثقافات ما قبل التاريخ “تلك التي عاشت قبل ظهور الكتابة”، غالبًا ما يكون فحص المواد الأثرية هو الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها البدء في فهم كيفية عيش الناس في الماضي العميق، ويمكن أن يكون علم الآثار والتطور البشري بوابات لتدريب أوسع في التفكير النقدي وتعليم الفنون والعلوم الليبرالية.
أساليب البحث في علم الآثار
تطبق الطرق التي يستخدمها علماء الآثار للحصول على المعلومات على مر الزمان، بما في ذلك الماضي القريب. على سبيل المثال، أصبح أحد علماء الآثار في الولايات المتحدة مشهورا بدراسته للنفايات التي رماها سكان توسكون بولاية أريزونا في السبعينيات. أثبتت هذه الدراسة أن القطع الأثرية الحديثة يمكن أن تكشف الكثير عن الأشخاص الذين ارتدوها وتخلصوا منها.
على مدار الـ 150 سنة الماضية، قام العلماء بتطوير تقنيات دراسة علم الآثار، ويعتمد علماء الآثار أيضا على أساليب متعددة من مجالات مختلفة مثل التاريخ والجيولوجيا، ومن بين أساليب البحث المستخدمة
بحث المحفوظات
في كثير من الأحيان، تعد الأبحاث الأرشيفية هي المرحلة الأولى في علم الآثار، وتكشف هذه الأبحاث عن السجلات المكتوبة المرتبطة بمنطقة الدراسة، وإذا كان الناس يعيشون في المنطقة التي كانت بها سجلات مكتوبة، فإن عالم الآثار يبحث عن الوثائق التاريخية المرتبطة بها.
يمكن أن يأخذ البحث الأرشيفي في عالم الآثار إلى المكتبات العامة أو الجامعات أو المجتمعات التاريخية المحلية أو دور القضاء أو حتى منازل الناس، ويمكن أن تشمل الوثائق الأساسية: خرائط أو صور فوتوغرافية للمنطقة والصحف وسجلات الأراضي والضرائب والمذكرات أو الرسائل.
بالإضافة إلى ذلك، سيقوم علماء الآثار بالبحث عن تقارير الموقع التي كتبها علماء آثار آخرين حول هذه المنطقة، وستوصف هذه التقارير ما تم الوصول إليه في هذه المنطقة خلال أي تحقيقات سابقة، ويمكن أن تساعد تقارير الموقع القديمة هذه في توجيه البحث الجديد.
التاريخ الشفوي
يعد التاريخ الشفوي طريقة بحث أخرى يمكن استخدامها من قبل علماء الآثار والمؤرخين لجمع المعلومات، ويعمل علماء الآثار اليوم بالتعاون مع أجدادهم لفهم التقاليد الثقافية لماضيهم بشكل أفضل.
طرق إيجاد المواقع الأثرية
يستخدم علماء الآثار أساليب متنوعة لاكتشاف المواقع مثل الأقمار الصناعية، وهو ما يظهر دور التقنيات الحديثة في اكتشاف الآثار، أو في بعض الأحيان عن طريق الصدفة، حيث اكتشف أحد المارة على الشاطئ مقابر قديمة في Low Hauxley على ساحل إنجلترا، حيث ظهر صندوق حجري من الكثبان الرملية بعد عاصفة، واكتشف عمال البناء مقبرة تحتوي على رفات أكثر من 400 أفريقي من القرنين السابع عشر والثامن عشر أثناء البناء في مدينة نيويورك، وأصبحت المقابر الأفريقية الآن نصبا تذكاريا وطنيا بسبب أهميتها في التاريخ الأمريكي.
يعد النموذج التنبؤي الأثري أداة تشير إلى احتمال وجود موقع أثري في منطقة معينة، ويساعد في تحديد الموقع الذي يبحث عنه علماء الآثار بناءً على عوامل مثل المسافة عن الماء وانحدار الأرض ونوع التربة، وعوامل أخرى تؤثر على مكان استقرار الناس أو أداء مهام معينة.
وتعتمد الأساليب المستخدمة للعثور على المواقع على نوع الأسئلة البحثية التي يحاول عالم الآثار الإجابة عليها، فإذا كانت هناك خطط لبناء الطرق السريعة أو المساكن، فقد يحتاج علماء الآثار إلى معرفة أي مواقع أثرية في العقار، وأولاً سيتحققون مما إذا كانت هناك أي استطلاعات سابقة في المنطقة، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي النتائج، وإذا لم تكن هناك مواقع مسجلة مسبقًا، فسيقوم عالم الآثار بإجراء مسح أثري.
إذا وجدت مواقع أثرية، سيكون العالم الآثاري مهتمًا بمعرفة عددها، ومواقعها، وكيفية ارتباط هذه المواقع ببعضها البعض، وعادةً ما يختبر علماء الآثار عينة فقط من المنطقة لتوفير الوقت والمال.
يشير سياق علم الآثار إلى العلاقة التي تربط القطع الأثرية ببعضها وبمحيطها، حيث تحتوي كل قطعة أثرية تم العثور عليها في موقع أثري على موقع محدد، ويسجل علماء الآثار الموقع الذي تم العثور عليه فيه القطعة الأثرية قبل إزالتها من ذلك الموقع.
في عقد العشرينات من القرن الماضي، عثر علماء الآثار على نقطة رمح حجرية بين أضلاع نوع من البيسون في أمريكا الشمالية، وهو نوع انقرض مع نهاية العصر الجليدي الأخير. وبهذا الاكتشاف، حُسم الجدل الذي استمر لعقود حول مدى تواجد البشر في أمريكا الشمالية منذ أواخر العصر البليستوسيني.
الدليل على ذلك يكمن في السياق أو العلاقة بين الهيكل العظمي للثيران والقطعة الأثرية. عندما يتم إزالة القطعة الأثرية من موقعها بدون تسجيل دقيق لموقعها، فإننا نفقد هذا السياق إلى الأبد. وفي هذه المرحلة، تكون القطعة الأثرية ذات قيمة علمية ضئيلة أو غير موجودة. فالسياق هو ما يسمح لعلماء الآثار بفهم العلاقات بين القطع الأثرية والمواقع الأثرية. إنها الطريقة التي نستطيع بها فهم كيف عاش الناس في الماضي حياتهم اليومية.