دواوين وليد الصراف
الشاعر وليد الصراف
هو وليد فوزي عبد القادر الصراف النعيمي ، وأصوله من عوائل الموصلية القديمة ولد سنة 1964 ، الوالد مدرس للغة الإنجليزية والوالدة مدرسة للغة العربية ، ودرس في كلية الطب جامعة الموصل ، الدائرة الداخلية لعائلة الصراف مثقفة ، وجمع الصراف بين كلا من العلم والأدب وأصبح شاعرا كبيرا ، ثم في هذا الأمر يقول الصراف :
كان متفوقًا دراسيًا لذلك درس الطب، ولكن ظهرت رغبته الأدبية منذ المرحلة الابتدائية .
الشاعر وليد الصريف واضح في الشعر العمودي ، وهو من الشعراء المعاصرين الذين يستعرضون فيه ، وله ديوان بعنوان (ذاكرة الملك المخلوع) ، منشورة في الهيئة العامة للثقافة ببغداد ، وله العديد من القصائد المنشورة في مجلات أخرى ، وتنتشر في الحديث والقديم في سياق مشاكل وقضايا مهمة في الوقت المعاصر .
للصراف العديد من المقالات المنشورة في بعض المجلات والصحف العربية والعراقية، منها جريدة الزمان الدولية ولديه عمود ثابت في جريدة “عراقيون
التراث والحداثة في دواوين الصراف
- يقرأ الصحفي المتخصص بشكل مكثف الأحداث القديمة والكتب التاريخية، ويستخدمها كمصادر ومراجع في كتاباته، حيث يقتبس منها لنقل فكرته وإيصالها للقارئ .
- – كانت تفتتح كتاباتها دائماً ببيت من أبيات الشعراء القدامى، لأنها كانت تؤمن بشدة بأفكارهم وتريد استكمال الفكرة التي يريدون إيصالها لمن يقرأ القصيدة .
- على الرغم من ذلك ، يحب الابتكار والتجديد كثيرًا ويقول دائمًا إنه يجب التجديد لجذب جميع العقول الإبداعية المختلفة.
- كما أشار إلى أن تكويناته المختلفة تأخذ وقتًا كبيرًا لتوليد ولادة طبيعية، وهو يهتم بمضمون الرسالة والحداثة من جوهر الماضي، على حد تعبيره .
- للصراف كانت هناك العديد من القصائد المختلفة، وعلى وجه الخصوص قصيدة “مات العراق” التي تحدثت عن حضارات العراق القديمة وما يحدث من موت للوطن، وسأل فيها عن مكان دفن الأراضي الوطنية، وذلك بسبب ما حدث في بغداد .
- يضم موروث الملك المخلوع العديد من القصائد، مثل (بلاط شاعر، وثوبها، سمسار في سوق عكاظ، دموع ثناء) وغيرها .
قصيدة ذاكرة الملك المخلوع لـ وليد الصراف
البرقُ من رِيبَتِي والرَّعدُ من حَنَقِي
والنَّسْمُ من هَدأتِي والرَّيحُ من قَلَقِي
وكل من قتل في الأرض بسبب غضبي
وكلُّ مَن وُلِدُوا في الدَّهرِ مِن شَبَقِي
والبحرُ أطلَقتُهُ في كلَّ ناحِيَةٍ
وقلتُ للريحِ: أنّى شئتِ فانطَلِقي
وإذ تَبَدَّى مَخُوف الموجِ مِن كَثَبٍ
رَغَّبتُ بِالدُّرَّ مَن أرهبتُ بالغَرَقِ
واللَّيلُ مُذْ غَمَرَ الدًّنيا تَمَلّقَني
خوفاً على سِرَّهِ المكنونِ مِن ألَقِي
والطَّيفُ في غَفَوتِي والنجمُ في سَهَرِي
والبدرُ مكتملاً، بعضٌ مِن المَلَقِ
ولا يطِلُّ الضُّحَى مادمتُ في سِنَةٍ
لا يدوم الظلام إلا إذا طال أمده
والشمسُ لو أبطَأتْ في أُفْقِها كَسَلاً
لَجَرّها نحَوهُ مِن شَعرِها أُفُقِي
ورُبَّ بادِيَةٍ أَقْوَتْ عَقَرتُ بِها
لِلعاشقين جميعاً ناقةَ الشَّفقِ
منها أصابوا فَأَضْوَتْهُم فَيا عَجَباً
من يملك قوة الكون، كيف لا يتحمل النفس
ما يهمنا هو أننا روينا الخيل بدمنا
مِن ضَوئِها أنّنا نَنسلُّ في الغَسَقِ
ولاحَ قَفْرٌ من الماضي لأعْيُنِنا
خلا مِن الوردِ لكنْ ضَجَّ بالعَبَقِ
كأنّهُ بِجِنانِ الخُلدِ مُتّصِلٌ
دون أن تدرك الأنظار في النفق
بِهِ سَرَينا إلى أقصى مَطَاوِحِهِ
مَلائِكاً خُلِقوا ظُلماً مِن العَلَقِ
لكنّني عدتُ دونَ القومِ مُبتَئِساً
أحكي لمُصطَحَبي عن سحرِ مُغتَبَقي
فما سكنتُ سِوى أرضٍ أُغادِرُها
وما انتهتْ هجرتي إلاَّ لِمُنطَلَقِي
تَرَحُّلِي عن عَدَّوُي ملتقايَ بِهِ
ومُلتَقايَ بِمَن أحببتُ مُفتَرَقي
لَكَم تَوَهَّمتُ أنّي مُرتَقٍ جبلاً
لا يُرتقَى وأنا أهوي بِمُنزَلَقِ
وكَم تَرَضَّيتُ مَن لم أَرضَهُمْ خدماً
عِلماً بأنَّ التَّرَضَّي ليس مِن خُلُقِي
ورُحتُ أسكبُ إذ أَورَى الدًّجَى نَدَمِي
حِبراً ودمعاً على ماشَبَّ مِن حُرَقِي
كل الدموع التي سالت على مر الدهور
تغيمُ في ناظِري في آخر الغَسَقِ
وكلُّ طيفٍ يكنّ الليل يقصدُني
من كلَّ جفنٍ بِجَوفِ الليلِ مُنطَبِقِ
مَحَجَّةٌ لِطُيُوفِ الدَّهرِ أَجمَعِها
ومَنبَعُ في أيّامِهِ حَدَقِي
لكم طويتُ فجاجَ الليلِ مُنجَرِداً
بلا جوادِ الكَرَى أعدو إلى الفَلَقِ
جَمُّ المقابرِ ليلِي، مُعْوِلٌ أبداً
مُكتَظَّةٌ بجنازاتي بِهِ طُرُقِي
أمامَ عيني تَوَابِيتي يُسَارُ بِها
إلى قبوريَ تحت الوابلِ الغَدِقِ
أمشي وأعثَرُ بالماشِينَ بي فَزِعاً
أَحارُ أيَّاً سأبكي الآنَ مِن مِزَقِي
هل تذرف دمعة جديدة بعدما ذرفت الكثير
أو قطرةٌ من دمائي بعدُ لم تُرَقِ!
بَينِي وبَينِيَ ثأرٌ! مَن يُصالِحُني
معي وفي داخلي دهرٌ من الحَنَقِ؟!
دَقَّاتُ قلبي طبولٌ للوَغَى أبداً
تَدُقُّ في داخلي مجنونةَ النَّسَقِ
لِلحَربِ بيني وبيني عالياً قرعَتْ
فمات بعضيَ من بعضي من الفَرَقِ
تَقَدَّمَتْ يَدِيَ اليُسرَى لِتُنقِذَنِي
إذ أطبَقَتْ يديَ اليُمنَى على عُنُقِي!
بِلِحْيَتِي أخذتْ غَضَبى وناصِيَتِي
وقدّمتْ لِلعِدَى رأسي على طَبَقِ
وأسكَنَتْنِي قبوراً لا انتهاءَ لها
تَفُحُّ فيها أفاعِي الشَّكَّ والقَلَقِ
تنام صبحاً وعند الليلِ يَبعَثُها
إلى جهنّمَ صُورٌ في فَمِ الأرَقِ
يزورني النَّاسُ فيها إذ شواهِدُها
تبدو لهم من خلالِ الحبرِ والوَرَقِ
قصيدة مات العراق لـ الصراف
هذه القصيدة تعتبر أفضل ما قاله الشعراء عن بغداد، فقد قالوا
جف الفرات وشاب النخل وتلاشت الأرض كالحلم الذي كنا نعيش فيه قبل أن نسكنها
بعدما ملأ جدود طاب معدنها بالورود، أسلمتنا إليها
يمكن أن نلقي العنان لرغبتنا في المرأة الجميلة ونأخذها إلى بيتنا ونسجنها
يبدو أن الدهر يحمل في طياته العديد من الأحداث التي نعتنقها
حتى لو غادرنا، يستدعينا طفولتنا مثلما يستدعي صغار العصافير موطنهم
يصعب تحقيق ما هو سهل حتى لا يتجاوز قدراتنا ويصبح مستحيلاً في النهاية
الحياة تحتوي على أسرار ومهارات لا يمكن لأحد أن يتقنها جيدًا
بغداد تضعف وتجف دجلة كنهر، في حين تحزن الأرض بحزنها السماء
بعد يأسها قبل الضحى، غربت الشمس وانطفأت أعين النجوم في الليل
في القديم، هاجر الناس الأحياء من الأموات الذين يسكنون الأرض
تُشيد بحدائقها، وعندما تمر بها، ترى التين والزيتون يتدلى من أغصانها
يندب الناس مآذنها الشامخة، في حالة عصيان أو إيمان
لغات ماتت وانقرضت أصحابها وظل صوتهم ينطق بالفصحى
أنعى الرعاة والنوايا وحدتهم في سرب الشاء الذي يُغذيهم ويسمينهم
أنا أشاهد الأزقة المزدهرة حيث أرخص الحجارة فيها هي الأغلى في قلبي
مات العراق ولم يتم الإعلان عن وفاته هنا، وأنا وحدي سأعلن ذلك
فالأرض كانت ميتة منذ سنوات وإذا نمت أعشابها أو ازدهرت زهورها
توفيت بطعنات مجهولة وجرحها ما زال ينزف بعد وفاتها
ولا ينعى لهم الوفاة، ولا ترتفع أصوات النسوة في البكاء
تتجاوز الآن رياح جزع شعر النخيل وتكفنها الديجور
إذا مات أحدنا على الأرض، سندفنه، ولكن إذا ماتت الأرض، أين سندفنه؟