درجات التسامح
ماهي درجات التسامح
التسامح الديني والفكري له درجات ومراتب وهي :
الحد الأدنى من التسامح
هو السماح بالحرية لمن يخالفك دينك ومعتقدك ، ولا تجبره على اعتناق دينك أو طائفتك ، حتى إذا رفض ، فيحكم عليك بالإعدام والعذاب والمصادرة والنفي ، أو غيره من أنواع العقوبات والاضطهادات ، وتمنحه حرية العقيدة ، ولكن لا تمكنه من ممارسة واجباته الدينية المفروضة عليه بمعتقداته ، والامتناع عما يعتقد أنه حرام عليه
الدرجة المتوسطة من التسامح
يتعين علينا أن نمنح الشخص الحق في الاعتقاد بما يراه مناسبًا لدينه ومذهبه، ولا يجب علينا فرض الامتناع عن شيء يعتبره واجبًا دينيًا أو فرضًا حرامًا. ويجب أن يكون هذا الحق متاحًا للجميع، ولا يجوز منع أي شخص من زيارة الكنيسة، مثلاً، إذا اعتبر ذلك ضروريًا لدينه.
الدرجة العليا في التسامح
من فوائد التسامح أنه لا يقتصر على ما يعتقده المخالفون من أمور مباحة في دينهم أو مذهبهم، وإذا كنت تعتقد أنه محرم في دينك أو طائفتك، فإن المسلمين كانوا يتعاملون بهذا النحو مع أهل الذمة، وعندما تفوقوا في درجات التسامح، التزموا بكل ما يعتقده غير المسلم بأنه جائز في دينه
تعريف التسامح
في بداية الفقرة التي تتحدث عن التسامح، يمكن تعريفه كـ”التحمل” كمفهوم. ويشير إلى احترام وقبول وتقدير التنوع الثري للثقافات وأشكال التعبير وطرق الإنسان. وفي اللغة العربية، يطلق على التسامح كلمات مثل العفو والصفح. ويعني التسامح في اللغة أيضا التساهل، ويشعر المتسامح بالرحمة والتعاطف والحنان، ويتجنب الشعور بالغضب أو المشاعر السلبية تجاه الآخرين. وبالتسامح يمكن أن يكتمل نصف السعادة، وبالعفو يمكن للإنسان أن يطلب من الخالق الغفران .
التسامح مفهوم مهم يساعد الناس على العيش معًا بسلام ، أن تكون متسامحًا يعني أنك تقبل آراء الآخرين وتفضيلاتهم ، حتى عندما يعيشون بطريقة لا تتفق معها ، التسامح يعني أيضا عدم وضع آرائك فوق آراء الآخرين، حتى عندما تكون واثقا من صحة رأيك ، يظهر الأشخاص المتسامحون قوة من حيث قدرتهم على التعامل مع الآراء ووجهات النظر المختلفة ، الإسلام دين يدعو إلى العفو والمغفرة عن المقدرة ، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34-35).
التسامح مبدأ إسلامي
يعد التسامح مبدأ أساسيا في الإسلام، وهو واجب ديني وأخلاقي. لا يعني ذلك التنازل أو الاستسهال في المبادئ، بل يدعو الإسلام إلى التسامح مع الأمور التي لا يهتم بها الناس في بعض الأحيان. قال تعالى: `خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين` (الأعراف/ 199).
أوضح القرآن الكريم درجات التسامح بقوله (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) (التغابن/14)، وهي ثلاث درجات: العفو والصفح والمغفرة. يجب على المؤمن أن ينمي في نفسه قدرة الصبر والتحمل والمغفرة، وأن يسامح الآخرين ويتحمل بعض الإساءات ويغفر ويترحم، وهذه هي أعلى درجات التسامح. وعندما يشعر المؤمن بحاجته إلى مغفرة ورحمة الله، فإن ذلك يدفعه إلى التعاطف مع الآخرين ومساعدتهم بقدر استطاعته .
أحد أسس التسامح الأساسية هو التحمل والصبر. لا يمكن للإنسان أن يكون متسامحا بدونهما. وهناك فرق بين التحمل والصبر. التحمل يعني عدم الغضب وكظم الغيظ، أما الصبر فهو ضبط النفس عن قول أو فعل ما لا ينبغي. التحمل قد يكون إجباريا، أما الصبر فيكون اختياريا. قد يتذمر المتحمل ويشكو، أما الصابر فلا يتذمر ولا يشتكي إلا لله. قد يشعر المتحمل بالحزن والضيق من الداخل، أما الصابر فلا يحزن ويشعر بالرضا. يقول الله تعالى: “واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون”. (127)
الاحترام المتبادل يتضمن التسامح، فالإسلام يشجع على الحوار البناء والاستماع الجيد للآخرين، كما يشجع على قبول آراء الآخرين ويؤكد على احترام بعضنا البعض بغض النظر عن الطائفة والعقيدة والجنس والجنسية والعرق، والتسامح هو العقدة الودية التي تربط الأسرة والمجتمع وتحافظ على الأمة سليمة، وعدم الاحترام يؤدي إلى ظهور أشخاص قد يغيرون مسار الأمة، ويجب علينا غرس صفة التسامح والعفو في أطفالنا لأن الأسرة هي المدرسة الأولى للمواطنة
أمثلة على التسامح في الإسلام
عندما ينظر الإنسان إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم، يمكنه أن يستلهم العديد من الأمثلة التي توضح له مدى التسامح العالي الذي كان يتحلى به تجاه أتباع الديانات الأخرى. فقد كان النبي مكرما بأفضل الأخلاق والسلوك، وكان يتعامل بأفضل الأساليب مع الناس والمواقف، على الرغم من أنه كان أميا ولا يجيد القراءة والكتابة. نشأ في فقر بين صحراء جاهلة، يرعى الأغنام، وكان يتيما بدون أبوين.
لكن الله يعلم جميع الصفات الحسنة والطرق الحسنة، ويعلمه قصص الأجيال السابقة واللاحقة، وما يجلب النجاح والخلاص في الآخرة والسعادة في الدنيا، وأظهر له طريق التركيز على الواجبات والالتزام بها، بعيدًا عن الأشياء الزائدة.
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجازي المنكر بالشر. بالأحرى يعفو ويغفر ، لقد غضب من أجل ربه ولم يغضب من أجل نفسه ، أن يلتزم بالحق حتى لو كان في ذلك ضرر لنفسه أو لأصحابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقم لنفسه أبدًا ، إلا إذا تجاوزت حرمات الله فينتقم في سبيل الله :
قالت عائشة ـ رضي الله عنها: لم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما أو امرأة بيده أبدا، ولم يضرب شيئا بيده إلا في سبيل الله، ولا يوجد خير بين امرأتين إلا أن الأيسر منهما أحب إليه، حتى ولو كان هذا الاختيار إثما، وإذا كان هذا الاختيار إثما، فإنه كان أبعد الناس عن الإثم، ولم ينتقم لنفسه من شيء يأتيه حتى تنتهك حرمات الله عز وجل.
يثبت تسامح النبي صلى الله عليه وسلم مكانة التسامح في الإسلام، حيث لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء خارج عن نطاق الإسلام، وهناك العديد من القصص والأمثلة والبراهين على الطبيعة الرائعة المتسامحة للنبي صلى الله الله عليه وسلم، بما فيها:
- كانت قبيلة قريش تعتبر عدوًا للإسلام، ولمدة 13 عامًا كانوا يعانون من الاستهزاء والإيذاء الجسدي والنفسي للنبي صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك الضرب والاعتداء عليه.
- وضعوا البعير بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وهو يصلي، وقاطعوا هو وقبيلته حتى وصلت العقوبات الاجتماعية إلى مستوى لا يحتمل، وتآمروا وحاولوا قتله في أكثر من مناسبة، وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، جمعوا غالبية القبائل العربية وشنوا حروبا كثيرة ضده.
- وعند فتح مكة قال لأهلها: سأل النبي الصحابة ماذا يظنون أنه سيفعل بهم، فأجابوا بالثناء عليه ووصفهم له بأنهم أخوة كرام، فقال لهم النبي: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وهذا يعتبر من أهم أشكال التسامح والعفو .
أهمية التسامح
يؤمن الإسلام بالتسامح على جميع المستويات، سواء كانت للأفراد أو الجماعات أو الدول، ويجب أن يكون التسامح مطلبًا سياسيًا وقانونيًا، حيث يدعم حقوق الإنسان والتعددية الثقافية وسيادة القانون. وهناك عدة مستويات للتسامح
- بين أفراد الأسرة – الزوج والزوجة والآباء والأبناء والأشقاء وغيرهم -.
- يشمل التسامح بين أفراد المجتمع، والتسامح في الآراء والمعتقدات، والتسامح بين المدارس الفكرية المختلفة.
- التسامح بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى يشمل العلاقات بين الأديان، والحوار، والتعاون.
- فيعالم العولمة الحديث، حيث يعيش الناس من خلفيات وثقافات وديانات مختلفة معًا، وحيث أصبح التنوع والثقافات المتعددة هي سمة هذا العالم، أصبح تعزيز التسامح والوئام أمرًا بالغ الأهمية، ويُعد تعزيز الحب والعاطفة المتبادلين أمرًا حيويًا لتحقيق ذلك.
- التسامح مع بعضنا البعض والاهتمام ببعضنا البعض هو ما يجعلنا بشرًا، ومن خلال تعليم التسامح، نتيح التنوع والتفرد بتعزيز السلام والمجتمع المدني، ويعتمد نجاحنا في مكافحة التعصب على الجهود التي نبذلها لتثقيف أنفسنا وأطفالنا من خلال تعليم الاحترام المتبادل .
- أصبح التعصب ثقافة اليوم، وهو يسبب الموت والإبادة الجماعية والعنف والاضطهاد الديني والصراعات على مختلف المستويات. في بعض الأحيان يكون عنصريا، وفي أحيان أخرى يكون دينيا وعقائديا، وفي أحيان أخرى يكون سياسيا واجتماعيا. بغض النظر عن السبب، فإن التعصب مؤلم في كل حالة. لقد شهدنا أحداثا كبيرة في التاريخ الحديث حيث هاجم الناس، بسبب عدم التسامح، أفرادا من أديان أخرى وأماكن عبادتهم ومجتمعاتهم. كم هو جميل أن يحاول الجميع التعبير عن أنفسهم بطريقة لائقة ومحترمة مع التسامح.
- في الختام، يجب على الناس أن يدركوا أن التسامح وأهميته لا بد منهما، حيث أنه من دونهما لا يمكن الحفاظ على السلام دائما في المجتمعات ولا يمكن إقامة الولاء لبعضنا البعض، ويؤدي عدم التسامح إلى القتال والعنف، وفي النهاية ينتهي بسلام المجتمع وأمنه. وعندما يفشل الناس في حججهم يصبحون غير متسامحين، ثم يستخدمون القوة والعدوان لدعم وجهة نظرهم. [3]