خصائص السنن الإلهية وانواعها
مفهوم السنن الكونية
- المعنى اللغوي لـ(السُّنَن):
يعني جمع سنن سنة، وهي مشتقة من الجذر (س ن ن)، والذي يدور معانيه حول مفردات مختلفة مثل الاستمرارية والانتظام والتحديد والتتابع .
اشتقَّ منه: السنة تعني السيرة، وسنة الرسول ﷺ تعني سيرته، وفي اللغة، تشير “السنن” إلى الطرق أو الطرائق الواضحة المحددة التي لها نسق واحد أو متشابه متتابع أو متبع.
- التعريف العام للسنن الإلهية:
بأنها هي: تخضع حركة الخلق الإرادية واللاإرادية لقوانين ونظم الله المطردة بخلقه، ووفق ميزانها يعاملون في الدنيا والدار الأخرى
سنن الله في الكون
السنن الكونية هي القوانين التي تحكم الكون كله، وحياة كل الناس بمشيئة الله، وتحدث السنن الكونية بثبات واطراد وعموم بحياة كل البشر، ولله في كل شيء في الأفراد والأمم والحياة وأوسع من ذلك.
السنن الإلهية لا تتبدّل أو تتأخّر، وتحدث في حياة الفرد في وقت واحد في كل جوانب حياته وكل لحظاته وفي سلوكه وتصرفاته، وينتج عن هذه السنن نتائج تترتّب في الكون سواء في حدوث حدث ما أو عكسه مثل القوة أو الضعف، النصر أوالهزيمة، العزّة أو الذلّ، ما إلى ذلك، وقال الله عن هذه السنن في القرآن الكريم: (فلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43].
خصائص سنن الله في الكون
- خاصيّة الثبات:
يشير هذا إلى أنّ السنن الإلهيةلا تتغيّر أو تتبدّل، حيث وضعها الله وجعلها قوانين صارمة تحكم حياة الحضارات والناس، وتتحكم في العالم بأسره.
توضح السنن الإلهية في الحضارات العوامل التي أدت إلى صعود الأمم ومجتمعاتها والعوامل التي أدت إلى سقوط كل منها، حيث لا تكون الحياة بدون ضوابط ومعايير تحكمها.
- خاصية العموم:
السنن الإلهية مُعممة على كلّ البشر وعل كلّ الخلائق، دون تمييز، فلا يملك أي إنسان الاختيار الخروج عنها، قال الله موضحاً في القرآن:(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) [النساء:123].
وبالتالي، تطبق أي سنة من سنن الله في الكون على جميع الأمم والأفراد، وعلى سبيل المثال: سنّة النصر لها معايير وضوابط تطبق على من يتبع تلك المعايير ولا يتجاوزها، وتُطبق على الجميع في نفس المستوى.
إذا جلس شخص عاقل ليتدبر في سيرة الرسول ﷺ وقصص صحابته المكرمين رضي الله عنهم، لوجد هذه السنن حاضرة في كل قصصهم ولا يوجد فرق بين أي منهم، وعند التركيز على قصص الحرب يجد النصر كان حليفهم عند اتباعهم للمعايير، وعلى العكس عندما خالفوا سنن الله في النصر، خسروا رغم أن رسول الله وحبيبه ﷺ كانا منهم
- خاصيّة الاطّراد:
وتعني التكرار لهذه السنن وتظهر في أي ظرف توافرت فيه مقوّمات تؤدي لظهورها مثل الزمان والمكان والأفكار والأشخاص، قال الله تعالى في القرآن: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) [ال عمران: 137].
يتكرر تطبيق سنن الله لكل الناس، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، والتمسك بسنن الله يعد ردا على المشككين في الإلهية والنبوة، حيث يقولون إنه لو كان الرسول صادقا ورسول الله الحقيقي لما ذل وخسر في بعض المعارك والمواقف.
السنن الإلهية هي الحكم الذي يسري على الأنبياء والرسل وجميع خلق الله، والمثل الأشهر لذلك هو في غزوة محددة، عندما أصيب أحدهم بجروح في رأسه وتم كسر سنه، وقيل للكفار آنذاك أن سنة الله هي النصر وسنة الهزيمة مطرودة، فعندما تتوفر الظروف التي تسمح بحدوثها، تحدث.
السنن الإلهية في القرآن الكريم
- سنّة التدافع:
من سنن الإلهية في الكون والتي يخبرنا عنها الله في قوله بالقرآن: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة:251]، والمُراد بالأية هو أنّ الله لا يترك أبداً الناس على نفس حالهم، ولا يترك الدنيا كما هي.
تدفع الأحوال بعضها ببعضها، بينما يدفع الناس بعضهم بعضًا، وكذلك يدفع الكفار بالمؤمنين، وتجد الله يدفع الباطل بالحق. وبذلك يفترض بقاء الصراع مستمرًا بين الحق والباطل، ويتطلب هذا التدافع التغيير المستمر بمشيئة الله.
- سنة الإصلاح:
فمن سنن الله أنه لا يُهلك القوم إذا كان بينهم مصلحون، فمن أجل الإصلاح بعث الله الرُسل والأنبياء، وذكر لنا الله في القرآن عن رسول الله شعيب قوله لقومه: (مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود:88].
فالرٌسل كان دورهم الإصلاح وأول شئ إصلاح الشرك بالله وهو المنكر الأكبر، ثمّ يتدرجّون إلى باقي منكرات أُمتهم المنتشرة، وتشمل الإصلاحات في جميع جوانب حياة الأمة كالجوانب الإقتصادية فيمنعون الغش، وفي الجوانب الاجتماعية وباستمرار تحفظ الأمم بوجود المصلحين فيهم فإن سنّة الله تقتضي بأنه لا تهلك، وفي القرآن بيان لتلك السنّة فقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].
- سنّة التغيير:
فهي من السنن المتعارف عليها بين الناس وتجد أمثال وأقاويل متناقلة عن التغير مثل دوام الحال من المُحال، وذكرها الله في القرآن التي فقال : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11] وتفيد سنّة التغيير أنّ الله لايبدل حال القوم إلا بتغيير القوم ما في قلوبهم وامتثلوا لأوامر الله وعملوا ما يرد، غيّر الله حالهم لأفضل حال، وأمّا إذا عصوا الله ولم يلتزموا بأوامره فيغيّر حالهم لحال أسوء.
أنواع السنن الإلهية
السنة الخارقة
تشير السنن الإلهية إلى الأحداث الخارقة التي يحدثها الله بشكل غير عادي، مثل معجزات سيدنا موسى عليه السلام، مثل تحويل عصاه إلى حية تسعى، وتحطيم الصخرة فخرجت منها اثنتا عشرة ينبوعاً، وشق البحر بضرب العصا على الأرض.
من السنن الإلهية الخارقة، مثل شق القمر نصفين لنبينا محمد ﷺ، ومثل حفظ الله لسيدنا إبراهيم رضي الله عنه من الاحتراق وحجبه عن النار، وكذلك حفظ الله لسيدنا يونس في بطن الحوت فلم يمت، وهذه هي السنن الخارقة التي يصنعها الله على غير العادة.
السنن الجارية
تعتبر هذه القوانين من القوانين الإلهية التي تحكم الحياة على الأرض وتنتشر في كل مكان في الكون، وتتعلق بأمور مثل تبادل الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، وتتبع نظاما محددا. وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في سورة يس (40): `والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون`.
وهناك سنن متعلقة بالأفراد مثل سنن الخلق البشري، حيث ذكر الله في القرآن: `ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ۚ فتبارك اللـه أحسن الخالقين`
يمر الإنسان بمراحل مختلفة في حياته، وهذا يعد جزءًا ثابتًا ومتكررًا من سنن الله في تصرفاته وأفعاله، مثل السعادة والشقاء، الغنى والفقر، القوة والضعف، وغيرها..