القدس الشريف ثالث الحرمين وأولى القبلتين، هذه المدينة المقدسة التي ترتبط بوجدان كل مسلم في كل أنحاء العام، إلا أنها لم تقتصر أهميتها على المسلمين فقط بل أنها مهمة ومقدسة للثلاث أديان اليهودية والمسيحية والإسلامية، فلهذه المدينة مكانة عظيمة على مر التاريخ ولذلك كان عليها صراع كبير لفرض السيطرة عليها.
مدينة القدس
حظيت مدينة القدس بمكانة عظيمة وكبيرة في تاريخ الإنسانية، و تميزت بالعديد من الخصوصية الزمانية والمكانية، فمنذ القدم وهي ذات أصل عربي فجذورها منذ الحضارة العربية الكنعانية، أما بالنسبة لخصوصيتها الجغرافية، فإن موقعها يعد نقطة اتصال وتواصل بين كل قارات العالم وحضارات العالم القديم والحديث، وقد تعاقبت عليها العديد من الحضارات المختلفة، وسكنت بها الجماعات البشرية المختلفة، وقد خلفت كل حضارة ورائها آثار ومخطوطات أثرية لتجسد الحضارة والتاريخ والملاحم التاريخية التي قامت عليها، وهذا إن دل فهو يدل على عظمة هذا المكان وقدسيته بالنسبة لعدد كبير من البشر.
وعلى الرغم من الحروب والعوامل المختلفة التي مرت على هذه المدينة العريقة منذ آلاف السنين، إلا أنها لا تزال قائمة وموجودة حتى الآن، فالقدس تم هدمها وإعادة بنائها أكثر من ثماني عشرة مرة خلال العديد من الحقب الزمنية المختلفة، على أيدي الحضارات المختلفة، منذ تأسيس القدس الكنعانية الأولى قبل نحو 6000 سنة، وهي هدف وطموح للبشر جميعا، منذ ظهور أقدم الحضارات في فلسطين وبلاد الرافدين وعلى ضفاف النيل في مصر، ومرورا بالحضارات الرومانية واليونانية والفارسية، وصولا إلى الحضارة العربية بمظهرها الجديد بالثوب الإسلامي، وحتى يومنا هذا لا يزال الصراع قائما على هذه الأرض المقدسة.
يرجع تاريخ مدينة القدس إلى حوالي 6000 سنة، وتم تأكيد ذلك من خلال الحفريات التي أجريتها المدرسة الفرنسية والمدرسة البريطانية برئاسة الأب ديفو، بالإضافة إلى مجمع رويال أنتوريابقيادة الدكتور هوستينج هام وبالتعاون مع جامعة تورنتو في كندا سنة 1962.
حيث اعتبرت هذه البعثة أن النتائج التي توصلوا إليها خلال موسم الحفريات في مدينة القدس، لا تعد معلومات مزيفة ولا تؤكد صياغة تاريخ القدس وفقاً للتوراة، حيث أن المعلومات التي ترد في التوراة اليهودية على أن تاريخ القدس الحقيقي يعود إلي ثلاث آلاف سنة فقط وليس ست آلاف سنة كما أكدت الحفريات.
خريطة القدس
تمتد الأراضي التابعة للقدس اليوم لتشمل العديد من المناطق الشاسعة التي كانت سابقا ضواحي وقرى للمدينة. تشمل حدود بلدية القدس اليوم مناطق مثل كفر عقب وشعفاط وبيت حنينا وجبل المشارف ووادي الجوز والشيخ جراح وجبل الزيتون وسلون والبلدة القديمة والعيسوية ورأس العمود وأبو الطور وجبل المكبر وأم طابا وجبل أبو غنيم وصور باهر وبيت صفافا والولجة. وهذه هي المدن العربية التابعة لمدينة القدس.
تاريخ المستوطنات الإسرائيلية
من جهة أخرى، قام الاحتلال الإسرائيلي بإقامة العديد من المستوطنات، وقد قام بضم العديد من المستوطنات القديمة الأخرى خارج حدود بلدية القدس بعد احتلاله للقدس الشرقية عام 1967، وهذا تغيير أدى إلى تعديل خريطة فلسطين قبل عام 1967، وساعد على بناء جدار فاصل في عام 2002، والذي يفصل البلدات العربية عن القدس، وهذه البلدات هي: أبو ديس، والعيزرية، والرام، وحزما، والسواحرة الشرقية، والشيخ سعد، وبيت إكسا، وعناتا، وقلنديا التي يوجد بها مطار القدس الدولي، والذي يفترض أنه يشكل الامتداد الطبيعي للتوسع الطبيعي للأحياء العربية في المدينة في المستقبل.
بالنسبة للمستوطنات التي بناها الاحتلال الصهيوني، فهي مستوطنة نيفيه ومستوطنة عطروت ومستوطنة بسغات زئيف ومستوطنة غيلو، مستوطنة هماتوس ومستوطنة رامات أشكول ومستوطنة ناليبوت مزراح.
أما عن القدس الغربية، فقد قام الاحتلال الإسرائيلي بعد احتلال مدينة القدس سنة 1948 بتدمير معظم القرى والضواحي الموجودة في غرب القدس، ومن أهمها دير ياسين والمالحة والقسطل ولفتة وعين كارم، وقد أقام الاحتلال مكان هذه المدن العديد من المستوطنات التي تُشكل منطقة القدس الغربية بدلاً من المدن العربية الفلسطينية القديمة، وهذه المستوطنات هي گفعات شاؤول، جبل هرتزل، بيت هيكرم، كريات هيوفيل، يمين موشيه، عميق زيفائيم، ربحاميا، نحلاؤوت، مئة سيعاريم، محانيه يهودا، روميما وگفعات رام.
فيما يتعلق بالحياة البرية والغابات في منطقة القدس، هناك العديد من الغابات والمناطق البرية في محيط القدس. من بينها وادي الغزال الذي يقع في وسط القدس بالقرب من حي كفعات مردخاي اليهودي. يعرف بأنه منطقة مفتوحة تمتد على مساحة تبلغ 260 دونما، ويرتبط هذا الوادي بوجود حوالي 17 غزالا جبليا يعتبرون هذه المنطقة موطنهم ولا يمكن للغزلان مغادرتها بسبب موقع الوادي في وسط منطقة القدس وتحيط بها المدن من جميع الجهات.
كان المقاولين ومتعهدين العقارات قد خططوا لأن يحولوا هذه المنطقة البرية إلى منطقة سكنية، ولكن محبين الطبيعة والجمعيات الخاصة بحماية البيئة في إسرائيل قد استطاعت إيقاف هذا المخطط، وقد استطاعت أن ترغم سلطات الاحتلال على أن تقوم بحماية هذا الموقع من أن يتم تحويله إلى منطقة سكنية، والحفاظ على الحياة البرية به.
وضع القدس العاصمة
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالاحتفال بافتتاح سفارتها في إسرائيل في القدس، وهذا الأمر له أهمية سياسية كبيرة، يتردد صداها حول التوتر القائم بين الجانب الفلسطيني والاحتلال الاسرائيلي، وهذا الأمر قد تم بعد سنين كثيرة كانت تحاول الولايات المتحدة أن تقوم بهذه الخطوة التي تعد اعتراف من الولايات الأمريكية بأن القدس هي عاصمة لإسرائيل، والآن أصبحت إدارة ترامب تعلن بكل صراحة بأحقية المدنية لإسرائيل عن فلسطين، وعلى الرغم من علم الإدارة الأمريكية بحساسية هذا الموضوع إلا أنها تمت تمهيداً لصفقة القرن.
تاريخ القدس مع اليهود
في سنة 1000 قبل الميلاد، قام الملك داود عليه السلام بغزو القدس وجعلها عاصمة لمملكة اليهودية، وحسب الاعتقاد اليهودي أن ابنه سليمان عليه السلام بني أول معبد مقدس بعد 40 سنة تقريباً، بعد عهد سيدنا سليمان الملك، انقسمت المملكة اليهودية إلي مملكتين هي مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا.
وقد تعرضت المملكة الشمالية إسرائيل لهجوم من قبل الامبراطورية الآشورية وتم تشتيت سكانها في كل أنحاء العالم، وفي عام 586 قبل الميلاد احتل البابليون القدس سنة 586 قبل الميلاد وأسقط المملكة اليهودية وأرسل اليهود إلي المنفى، وبعد 50 سنة تقريباً تم السماح لليهود أن يعود إلي القدس مرة أخرى بأمر من الملك سايروس الفارسي.
في عام 332 قبل الميلاد، سيطر الإسكندر الأكبر على القدس واستمرت هذه السيطرة على مر العصور. قام بالاستيلاء على المدينة وتم حكمها بواسطة مجموعة متنوعة من القوى، بما في ذلك الرومان والفرس والفتح الإسلامي والعرب والسلاجقة الأتراك والصليبيين والمصريين والمماليك. ثم أصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت حكم الخلافة العثمانية حتى تم احتلالها من قبل المملكة البريطانية. بعد ذلك، تم توطين اليهود في القدس وأقامت إسرائيل الاحتلال الذي شهد سلسلة من الانتهاكات والقمع والوحشية ضد الشعب الفلسطيني من قبل الجيش الإسرائيلي.