حياة الشاعر نزار قباني

نزار قباني هو شاعر عربي معاصر من الأساطير. أشعاره أسرت قلوب ملايين الشباب في العالم العربي خلال فترة حرجة في تاريخ الوطن العربي. بدأ بكتابة الأشعار الرومانسية وشعر الغزل في البداية، ثم اتجه فيما بعد إلى كتابة مجموعة كبيرة من الأشعار السياسية. تتميز أشعاره بأنها بسيطة وفي نفس الوقت بليغة، مما دفع عددا من أشهر المطربين العرب لتغنيها في الحب، بمن فيهم محمد عبده وعبدالحليم حافظ وماجدة الرومي وكاظم الساهر. حققت القصائد نجاحا وشهرة كبيرة على الرغم من كتابتها بالفصحى.

حياة نزار قباني

نشأ نزار قباني في دمشق، ولد فيها في 21 مارس 1923م، وكان والده توفيق قباني صاحب مصنع للحلوى من الطبقة المتوسطة السورية، ووالدته السيدة فايزة آقبيق، وكان جده من أبيه الكاتب المسرحي أبو خليل قباني، وكان والده ناشطا في الحركة الوطنية في دمشق التي سعت للتحرر من الاحتلال الفرنسي، ودرس نزار قباني القانون في جامعة دمشق، وحصل على شهادة الإجازة في الحقوق عام 1945م، وبعد ذلك بدأ حياته المهنية في الدبلوماسية.

عمل قباني في السفارات السورية في عدة دول من بينها مصر وتركيا ولبنان وبريطانيا والصين وإسبانيا، وفي عام 1966 م تقاعد من العمل كدبلوماسي، وانتقل للعيش في لبنان حيث أسس دار نشره “منشورات نزار قباني”.

نزار قباني وبلقيس

كانت حياة قباني مليئة بالأحزان، حيث تضمنت حادثتي انتحار أخته وصال بسبب الزواج القسري الذي فرضته العائلة عليها، وأثرت تلك الحوادث بشكل كبير على شعر نزار.

أما الحادثة الأكبر في حياة الشاعر فكانت وفاة حبيبته  بلقيس إبراهيم الراوي ، كانت بلقيس فتاة عراقية جميلة تنتمي لعائلة الراوي العريقة بالعراق، وقد رآها قباني لأول مرة في إحدى أمسياته الشعرية فخطفت قلبه مباشرة، وحاول طلب يدها من والدها لكنه رفض في البداية، غادر قباني بعدها العراق.

“على الرغم من ذلك، يبدو أنه لم ينسى حبه لـ بلقيس، فعاد مرة أخرى إلى العراق وألقى أبيات شعر تتحدث عنها

مرحباَ يا عراق جئت أغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء.

 نتيجة لذلك ، تعاطف العديد من العراقيين مع قصة حب قباني لبلقيس بعد كتابته للشعر الذي أصبح شهيرا ، وفي عام 1969 ، تزوج قباني بلقيس بعد وساطة رئيس العراق آنذاك أحمد حسن البكر ، وأنجبا ابنين ، عمر وزينب ، وانتقلا للعيش في بيروت ، حيث عملت بلقيس كموظفة في السفارة العراقية في بيروت. ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان بسرعة ، تم تفجير السفارة العراقية في بيروت في عام 1981 ، وكانت بلقيس من بين الضحايا ، وبعد ذلك كتب قباني قصيدته الشهيرة لنعي زوجته الحبيبة التي تحمل اسم “بلقيس

قصيدة بلقيس

شكرا لكم

شكرا لكم

فحبيبتي قتلت وصار بوسعكم

أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة

وقصيدتي تم إهداؤها من أمة في الأرض

إلا نحن نغتال القصيدة؟

كانت بلقيس أجمل الملكات في تاريخ بابل

كانت بلقيس أطول النخلات في أرض العراق

كانت إذا تمشي

ترافقها طواويس وتتبعها آيائل

بلقيس .. يا وجعي ..

ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل

هل يا ترى ..

هل سيتم رفع السنابل بعد حصاد شعرك؟

يا نينوى الخضراء، يا غجريتي الشقراء ..

– يا أمواج دجلة، تتلاءم في الربيع مع ساقها

أحلى الخلاخل ..

قتلوك يا بلقيس ..

أية أمةٍ عربيةٍ ..

تلك التي

تغتال أصوات البلابل ؟

أين السموأل ؟ والمهلهل ؟

والغطاريف الأوائل ؟

فقبائل أكلت قبائل ..

وثعالب قتـلت ثعالب ..

وعناكب قتلت عناكب ..

قسماً بعينيك اللتين إليهما ..

تأوي ملايين الكواكب ..

سأقول ، يا قمري ، عن العرب العجائب

هل البطولة كذبة عربية؟ أم هل التاريخ كاذب مثلنا.

بلقيس

متى توفي نزار قباني

بعد وفاة بلقيس، لم يستطع نزار قباني البقاء في بيروت، فانتقل وعاش في باريس ثم جنيف ثم لندن. توفي نزار قباني في لندن بسبب إصابته بقصور في القلب بعد أن ظل مريضًا لمدة تقريبًا عام في 30 أبريل 1998م، ودُفن قباني في مسقط رأسه دمشق.

أعمال نزار قباني

تنوعت أشعار نزار قباني بين شعر عن الحب وأشعار عن الحياة الاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، وقد بدأ قباني بكتابة أول مجموعة شعرية له وهو مازال طالب في الجامعة عام 1944م وكانت بعنوان ” قالت لي سمراء”، وقد أثارت تلك المجموعة الجدل في المجتمع الدمشقي، لكن وزير التعليم في ذلك الوقت “منير العجلاني” والذي كان أيضًا صديقًا لوالد نزار، قد أعجب بها ودعمه وكتب له مقدمة مجموعته الشعرية.

نشر نزار قباني حوالي 35 ديوانا شعريا مختلفا بما في ذلك `طفولة نهد` عام 1948، وديوان `قصائد نزار قباني` الذي نشر عام 1956، وديوان `الرسم بالكلمات` عام 1966، وديوان `يوميات امرأة لا مبالية` عام 1968، وأحد كتبه النثرية هو `أسرتي وطفولتي` الذي يمثل سيرة ذاتية للكاتب نفسه، وكتاب `المرأة في شعري وفي حياتي` و`بيروت حرية لا تشيخ`.

من بين أشهر القصائد الوطنية لنزار قباني هي “قصيدة أصبح عندي الآن بندقية” التي كتبها في عام 1968، ولحنها الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب، وغنتها أم كلثوم.

خبز وحشيش وقمر

كتب قباني هذه القصيدة في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين وأثارت جدلاً كبيرًا في الأوساط السورية، وخاصة من قبل رجال الدين الذين طالبوا باعتزاله عن العمل الدبلوماسي. وتبدأ القصيدة بمطلعٍ يقول:

عندما يظهر القمر في الشرق، تنام السطوح البيضاء

تحت أكداس الزهر يترك الناس الحوانيت

 ويمضون زُمَر لملاقاة القمر

شعر نزار قباني عن الحب

على الرغم من الاتهامات الموجهة إلى قباني بتجاوز قيم المجتمعات العربية بوصفه العري في قصائده، إلا أن لديه العديد من القصائد التي يمكن اعتبارها قصائد غزل عفيفة، ومن بين هذه القصائد قصيدة “5 دقائق” التي يتحدث فيها عن الحب بشكل قصير ومختصر، وهي إحدى نماذج قصائده القصيرة عن الحب التي كتبها نزار القباني

اجلسي لمدة خمس دقائق، لا يريد الشعر أن يتساقط كالدرويش
في الغيبوبة الكبرى، يستغرق الشعر خمس دقائق فقط ليخترق لحم الورق العادي
سوى خمس دقائق
فاعشقيني لدقائق
واختفي عن ناظري بعد دقائق
لست أحتاج إلى أكثر من علبة كبريت
لإشعال ملايين الحرائق
إن أقوى قصص الحب التي أعرفها
لم تدم أكثر من 5 دقائق.

من أروع ما قاله نزار قباني عن الحب في قصيدة “اختاري”، حيث قال:

إني خيرتك فاختاري
مابين الموت على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
اختاري الحب أو اللاحب
فظلمًا ألا تختاري
لا توجد منطقة وسطى
ما بين الجنة والنار

نثر نزار قباني

لعل أعمال النثر الخاصة بنزار القباني لم تحظ بنفس شهرة قصائده الشهيرة المتعلقة بالحب، ولكنها ما زالت مبدعة كأعماله الشعرية. ومن بين هذه الأعمال النثرية قصيدة “أسرتي وطفولتي” التي يصف فيها عائلته ويمدح أباه بشكل خاص. ومن بين الأبيات في هذه القصيدة

• في التشكيل العائلي، كنت الولد الرابع بين ثلاثة أولاد وفتاة، وهم المعتز ورشيد وهيفاء وصباح.
• تعتبر عائلتنا من العائلات الدمشقية المتوسطة الحال، حيث لم يكن والدي غنياً ولم يتراكم لديه ثروة.
• كان ينفق كل مدخول معمل الحلويات الذي كان يملكه على إعاشتنا وتعليمنا وتمويل حركة المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين.
• إذا أردت تصنيف أبي، فسوف أصنفه بدون تردد بين العمال، إذ أنه قضى 50 عامًا من حياته يستنشق رائحة الفحم الحجري ويضع رزم السكر وألواح الخشب الصلب على كتفيه.