تتناول سفيتلانا اليكسييفيتش الأحداث من خلال أعين الشهود، إذ يحتوي الكتاب على العديد من الروايات لنفس الحدث، ولكن من بين هذه الروايات تلك التي شهد عليها الأطفال الذين كانت أعمارهم بين الأربعة والأربعة عشر عاما عندما وقعت الحرب. تأخذنا الكاتبة في رحلة نفسية عميقة داخل ما شاهده هؤلاء الأطفال، والتفاصيل الصغيرة التي تهم عالم الصغار والتي قد تكون أكثر ألما من قذائف المدافع أو قصف الطائرات العسكرية .
حول رواية آخر الشهود
تدور أحداث رواية آخر الشهود حول أشخاص عاشوا مأساة الحرب العالمية الثانية بالفعل ، ومازالت المشاهد محفورة في عقولهم وأمام أعينهم رغم مرور عشرات السنوات على انتهاء الحرب ، وهنا تقوم الكاتبة الرائعة سفيتلانا اليكسييفيتش بتناول أحداث الحرب العالمية الثانية ولكن بعيداً عن عدد الأسلحة والضحايا ، وما كتبته الصحف وسجلوها المؤرخون.
يروي أحد الشهود أنها لم تجد وسيلة للحصول على الطعام هي وشقيقتها إلا بأن استبدلتا دميتيهما ببعض الفطائر التي تضمن لهم البقاء على قيد الحياة حتى يستطعن لقاء والدتهم في محطة القطار. وتقول السيدة التي أصبحت تبلغ من العمر ٥١ عاما (في نهاية الحرب، ذهبت إلى محطة القطار للبحث عن أمي. أنا الآن في الواحدة والخمسين وما زلت أرغب في رؤية أمي)
يذكر شاهد آخر أنه يتذكر شعر والدته وهي تحترق، مما يدل على أن والدته توفت على إثر حريق جسدها، ولكن يحرص ذلك الشاهد على تذكر تفاصيل طفولته التي لم تلفت انتباه الكبار في ذلك الوقت .
نبذة عن كاتبة رواية آخر الشهود
الكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش صاحبة الجنسية البيلاروسية ولدة في مدينة فرانكيفيسك عام 1948 ، ودرسة سفيتلانا الصحافة مما أهلاها للعمل في عدد من الجرائد الالمجلية وكان شغفها الأول هو التدقيق والبحث في أحداث الحرب العالمية الثانية ، مما جعلها تسافر إلى عدد من الدول الأوروبية مثل ( إيطاليا ، فرنسا ، ألمانيا ، السويد ) لعمل أبحاث عن الناجين من الحرب .
ويظهر ذلك الشغف بشدة بمجرد النظر على أعمالها وهم :
– وجه الحرب غير النسائي
– صبية من الزنك
– مسحور بالموت
– أصوات من تشيرنوبيل تأريخ للمستقبل
– آخر الشهود
– وقت مستعمل
رغم قلة أعمالها الأدبية، استطاعت سفيتلانا اليكسييفيتش الفوز بجائزة نوبل للأدب في عام 2015 عن أعمالها، وتعد الكاتبة أول شخصية بيلاروسية تحصل على جائزة نوبل منذ إنشاء الجائزة حتى الآن .
لم تكن الجائزة العالمية الوحيدة التي حصلت عليها الكاتبة هي جائزة نوبل، على الرغم من أنها كانت الأبرز بالتأكيد، حيث حصلت أيضًا على وسام شارة الشرف الأدبي وجائزة قائد الفنون والأدب في عام 2014 .
مقتطفات من الرواية
لا يعد المأساة مجرد نوع آخر من المآسي، بل هي مأساة أكثر قسوة عندما تعيش الحرب بكل تفاصيلها، إذ تكون مأساة لا يفهمها إلا من عاشها، ولا تنتهي الحرب أبدًا في نفوس أولئك الذين تأثروا بها
-الحرب تدين أطفالها. الطفل هو الشاهد الأخير على الكارثة، إنه آخر صوت نهتم بسماعه، وفي كلماته تتلألأ الحقيقة ببريقها الساطع.
يتم قتل الشخص الواحد بواسطة الرصاصة في الحرب، لكن ضحايا ذكريات الحرب أكثر، حيث تؤثر الذكريات على العديد من الأشخاص .
في الشارع، قابلت رجلاً يشبه أبي، وتبعته لمسافة طويلة، ولم أشاهد أبي ميتاً
لقد ضيعت فترة الطفولة وسقطت من حياتي كإنسان بدون طفولة، وعوضًا عن ذلك، عانيت من الحرب
نشعر بأننا الأخيرين الذين يتوقفون عند هذا الحد، وأننا شهود على انقضاء زماننا وعلينا أن نتحدث، وكلماتنا ستكون الأخيرة
الكلمات
– أنا أتذكر قول الكبار: يعبر الشخص الصغير عن استغرابه من سلوك الكبار وغرابتهم، ويتساءل لماذا يعتقدون أنه لا يفهم أي شيء على الرغم من أنه يفهم كل شيء
على الرغم من أننا كنا نحتفل بأعيادنا ونحتفظ بشيء ما من الطعام للاحتفال به في يوم العيد، إلا أن جميع الأطفال ناموا مع أحلامهم دون أن يعرفوا أن الحرب أقرب إليهم من الصباح، واستيقظوا على واقع مرعب ومدمر يواجههم بكل وحشية، وقد كتبت إحداهن عن هذا المشهد .