حوار بين الكتاب والجوال
لقد أحدث التطور التكنولوجي تأثيرا قويا في حياة البشر؛ حيث تغير نمط الحياة بشكل كبير جدا بفضل تواجد الهاتف والحاسوب وعالم الإنترنت الشاسع. وبالتالي، تغيرت اهتمامات البشر بشكل عام. وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي أحدثته التكنولوجيا، إلا أنها تبدو وكأنها شبح مخيف يهاجم العادات الإيجابية في الحياة البشرية، بما في ذلك القراءة التي أصبحت بعيدة جدا عن الإنسان. وبالتالي، أصبحت الكتب مهملة وغير مستخدمة بشكل كبير؛ حيث يعتمد الكثيرون على هواتفهم النقالة في كل شيء تقريبا، حتى في القراءة إذا احتجوا إليها.
حوار خيالي بين الكتاب والجوال
كان الكتاب يقبع في ركن بمكتبة أحد البيوت بائسًا كاد أن يختفي تحت الأتربة ، وفجأة شعر بخيط نور يقبل عليه ؛ فشعر بالفرح متسائلًا : ما هذا النور؟ ربما يكون زائر ، وفي ذلك الوقت ظهر النور أوضح حتى تمكن الكتاب من التعرف على مصدره ؛ فقال : آه .. إنه الجوال ، ولكن لماذا وضعه صاحبه بجواري وتركه؟!
نظر إليه الجوال في كبرياء قائلًا : لست أدري لماذا جئت إلى هذا المكان المظلم
ابتسم الكتاب قائلًا : إنه المكان الأكثر إضاءة في هذه الحياة، يا هاتفي المتكبر الضعيف
استشاط الجوال غضبًا ، ثم قال : أنا لست ضعيفا، ألم تنظر إلى جمالي المشرق؟ وعن أي نور تتحدث وأنت هنا في مكان لا يرى النور؟
تحرك الكتاب قليلًا وهو يتنهد قائلًا : عند فتح هذه الصفحات التي أحتفظ بها في أحضاني منذ آلاف السنين، سوف تعرف من أين يأتي النور، وهو نور العلم الذي لا يتحقق إلا من خلال القراءة
ضحك الجوال قائلًا بصوت ساخر : يظهر بوضوح أنك لا تدرك أن البشر استغنوا عن وجودك، فأصبحت الهواتف مليئة بكل ما يرغبون به، حتى القراءة
تماسك الكتاب متسائلًا : هل يحتوي هاتفك على جميع المعلومات الموجودة في جميع الكتب؟
أجاب الهاتف في لهفة : نعم، لدي جميع المعلومات بالتأكيد
قال الكتاب : لا أعتقد ذلك، وستتأكد من ذلك بنفسك قريبًا، ولكن هل لديك القدرة على الاحتفاظ بكل شيء دون فقدانه في أي وقت؟
أجاب الجوال بصوت متردد : نعم، لا يمكن لأي شيء أن يختفي من رؤيتي
وفجأة اهتز الهاتف قائلًا في خوف : يا إلهي! ما الذي يحدث بداخلي!
ضحك الكتاب قائلًا : يبدو أن جميع ملفاتك تم حذفها الآن من هاتفك الجوال المتخلف، ويمكن للتكنولوجيا محو ما وضعت في لحظة، كما أنه لا يسهل قراءتك ولا يمتع العين، بل يتسبب في ضعف البصر
بدأت حركة الجوال تهدأ رويدًا رويدًا ، ثم قال : أنت على حق، فقد تم إعادة تأهيل كل ما كنت أحمله من محتويات بشكل اجباري
وفي غضون ذلك الحوار ؛ مدّ صاحب الجوال يده فأخذ الكتاب ؛ ثم مسح الأتربة من فوقه وفتحه ليستفيد من بعض محتوياته في أحد الأبحاث المطلوبة منه ؛ فابتسم الكتاب في سعادة وهو ينظر إلى الجوال ، حينها نظر الهاتف إلى نفسه وهو يكاد ينفصل عن الحياة نتيجة لضعف البطارية : ها أنا ضعيف الآن وسأُظلم بعد قليل ، حقًا لقد انتصر الكتاب.
الهدف من حوار الكتاب والجوال
يهدف هذا الحوار إلى ضرورة استعادة قيمة الكتاب ؛ حيث أنه المصدر الأول والأساسي للمعرفة في كافة مجالات الحياة ، ومن الضروري كذلك الاهتمام بالقراءة وعدم تجاهلها ؛ حيث أنها تفتح الآفاق أمام الإنسان كي يتعلم ويعيش خبرات جديدة ، وقد حثّ الله تعالى على القراءة ؛ فكان الأمر الأول لرسول الله صلّ الله عليه وسلم هو الدعوة للقراءة في قوله تعالى “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” ، ومن هنا يجب ألا يغفل الإنسان أهمية الكتاب ، وعليه أن يعطي لكل شيء حقه دون ضياع للوقت فيما لا يفيد.