حكم هجر القريب المنغمس بالمعاصي
يتعلق الحجر عن القريب المنغمس في المعاصي أو المؤذي لكف أذيته بالضوابط الشرعية، ويُعتبر موضوعًا يثير الجدل بين العلماء، ويتطلب دراسة الأدلة الشرعية والاستشارة مع العلماء المختصين لاتخاذ القرار المناسب في هذا الصدد.
حكم هجر المسلم لأخيه المسلم المنغمس بالمعاصي:
يرى جمهور علماء السنة أنه يجب على المسلم أن يعلم أن المعاصي والمصائب بلاء قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» والمعصوم من عصمه الله، أما صاحب المعصية يجب أن ننظر له بعين الرحمة من ناحية أنه استحوذ الشيطان عليه فأغواه وأضله عن طريق المسلمين، ويجب أن نعاتبه على الإقدام على الجرائم، فهو أخ مسلم يجب أن نحتويه وأن ننصحه وأن نُثاب بالنصيحة عليه، لعل الله يخرجه من هذا الظلمات إلى طريق الهداية لأنه في غفلة وقلبه في غطاء، وجلساء السوء يذكرونه ويحثونه بالباطل.
ومع ذلك، يجب على المسلم أن يفحص أسباب انجذابه للمعصية وأن ينقطع عن هذه الفئة الفاسدة، ونحذره منها ونبهه على عواقب هذا الأمر، وأنه يجب أن يتجنب التعامل مع هذه الفئة الفاسدة وأصحاب السوء. فالله تعالى يقول: {ولا تطع من أغفلنا قلبه} [الكهف:28] ويجب أن يتقي الله في نفسه ويكون حذرا من دعاة السوء والفساد. فإن أصدقاء السوء لا يقبلون لصديقهم إلا أن يتبع أخلاقهم ويسلك طريقهم في كل ما يفعلونه. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “مثل الجليس الصالح كبائع الطيب، إما أن يحذيك، أو تبتاع منه، أو تجد منه ريحا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرقك، أو تشم منه رائحة كريهة.
حكم هجر القريب المؤذي لكف أذيته:
في حال كانت هناك ضرورة لوقف الأذى، يرون العلماء أن الهجر مجاز، ويقول العيني في كتابه “عمدة القاريء لشرح صحيح البخاري
يسمح الشرع بترك مخالطة الأقربين إذا كانت هناك مصلحة شرعية في ذلك، مثل وجود ضرر في مخالطتهم، وقد أجمع الحافظ أبو عمر ابن عبد البر على جواز ترك المخالطة لأكثر من ثلاثة أيام إذا كانت مكالمتهم تؤدي إلى نقص في دين المخاطب أو إلى ضرر في نفسه أو دنياه، فأن يترك الإنسان مخالطة من يضره خير له من مخالطة من يؤذيه.
النصوص الشرعية التي جاءت في الهجر المسلم لأخيه المسلم:
1. قال الله تعالى: إنَّمَا المؤمنون إخوة، فعلينا أن نصلح بين إخوتنا ونتقي الله لعلنا نرحم.
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يتم عرض الأعمال في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله لكل إنسان لا يشرك بالله شيئا، إلا إن كان هناك خلافات بينه وبين أخيه، فسيقولون: اتركوا هاتين الخلافتين حتى يتصالحا. [رواه مسلم].
3.عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز لمسلم أن يترك أخاه لمدة أكثر من ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا الأخ على هذا، ويعرض هذا على هذا، وأفضلهما الذي يبدأ بالسلام» [رواه البخاري ومسلم].
متى يجوز هجر المسلم لأخيه والقطيعة؟
قال الشيخ ابن العربي المالكي: إذا كانت الهجرة لأمر معين يعد من الدين معصية أو بدعة، فيجب عليه الهجرة عنه حتى يتوب عن فعله ويتخلص منه. فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة عن الثلاثة الذين تركوا الصلاة خمسين ليلة، حتى توبتوبتهم عند الله، وعاد إليهم بعد ذلك.
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى، قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص لمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها.