حكم نكاح نساء أهل الكتاب
قال الله تعالى: يوجد في القرآن الكريم آية تنص على أن المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم يجب أن يؤتين أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان. ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو من الخاسرين في الآخرة. وتفسير الآية يأتي مع بيان حكم نساء أهل الكتاب، وذكر اختلاف العلماء في هذا الأمر، وذلك من تفسير سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز للآية من سورة المائدة.
تفسير الآية:
قال الله تعالى: {َالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} أي أنه أحل لكم نكاح الحرائر والعفائف من نساء المؤمنات وذكر هذا؛ توطئة لما بعده وهو {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، فقيل أراد المحصنات الحرائر دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد: المحصنات: الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25].
تفسير والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم:
يوضح لنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز أن المفسرون والعلماء اختلفوا في قوله {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه ابن جرير عن طائفة السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة، وقيل: المراد بأهل الكتاب هنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي، وقيل: المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة:29].
عبد الله بن عمر كان يعتبر تزويج المسلمين من النصارى شركا أعظم، حيث يقول إنه لا يوجد شرك أعظم من القول بأن ربهم هو عيسى، ويستند على آية في القرآن تحظر تزويج المسلمين من المشركات حتى يؤمن، ويعتبر الزواج من أهل الكتاب غير محرم، ولقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بهذا بأسا.
هل يوجد تعارض بين الآيتين ؟
من كلام الحافظ بن كثير: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} و{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها فهي مخصصة، وإلا فلا يوجد تعارض بين الآيتين لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في أكثر من موضع، قال الله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1]، وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} [آل عمران:20]، وعلى هذا لا تكون المحصنات من أهل الكتاب داخلات في المشركات المنهي عن نكاحهن في سورة البقرة، فلا يبقى بين الآيتين أي تعارض.
هذه القولية تحتاج إلى التدقيق، ومن المرجح أن أهل الكتاب يدخلون ضمن فئة المشركين والمشركات عندما يتم الإشارة إلى رجالهم ونسائهم، لأنهم كفار مشركون بلا شك. ولذلك يمنعون من دخول المسجد الحرام، كما جاء في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا، إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]. ولأن الله تعالى ذكر عقيدة اليهود والنصارى في سورة التوبة، حيث قال: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31]، فوصفهم بالشرك جميعا.
حكم نكاح نساء أهل الكتاب:
يتضح أن استخدام المحصنات من أهل الكتاب حلٌ للمسلمين في الزواج، طالما أنهم ليسوا من المشركيات المنهي عن الزواج منهن، ولكن الأفضل والأولى ترك نكاحهن والاستغناء عنهن باستخدام المحصنات من المؤمنات.