حكم تعدد القراءات في القرآن الكريم
هناك عدة أقوال حول تعدد القراءات في القرآن الكريم، حيث يعني ذلك اختلافا في المعاني والكلمات الواردة في القرآن الكريم، كما في الآية من سورة الإسراء {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} [الإسراء: 13]، ولذلك فإن مدى صحة هذه الآراء يتطلب التوضيح. ويجيب على هذه الأسئلة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي يرأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
هل تعدد القراءات يعني وجود اختلاف في نص القرآن؟
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزله الله بسبعة أحرف، وهذه الأحرف هي لغات ولهجات العرب، وذلك لتسهيل تلاوته ورحمة من الله للأمة العربية. وقد تم نقل هذه المعلومة بشكل متواتر وصحيح من خلال القرآن والقراءات المختلفة. والحقيقة أن جميع هذه القراءات تمثل الوحي الإلهي الذي نزل من الله الحكيم الحميد، ولا يوجد فيها تحريف أو تبديل، ولا توجد اختلافات في معانيها أو تناقضات في أهدافها. بل إن بعض القراءات تؤكد بعضها البعض وتوضح معانيها. وقد تختلف بعض المعاني في بعض القراءات، ولكن كل واحدة منها تحقق هدفا من أهداف الشرع وتعود بالنفع على الناس، وتتسق مع بقية المعاني وتتوافق معها في إطار تشريعي متكامل لا يتعارض أو يتضارب فيه.
القراءات في قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا}:
في القراءات المختلفة للقرآن الكريم، قرأ بضم النون وكسر الراء في قوله تعالى {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} [الإسراء: 13]، وقرأ يلقاه بفتح الياء والقاف مخففة، والمعنى أنه في يوم القيامة، نخرج لكل إنسان كتابا يلقاه مفتوحا، وهو صحيفة عمله وحالته، فيأخذه بيده اليمنى إذا كان سعيدا، وبيده اليسرى إذا كان شقيا.
وقرئ يُلقّاه: يوم القيامة سنخرج للإنسان كتابا يتضمن صحيفة أعماله، وإذا كان الكتاب مفتوحا فإن طريقة قراءته تتفق في النهاية، لذا فمن يلقى الكتاب فقد وصل إليه، ومن وصل إلى الكتاب فقد قرأه.
القراءات في قوله تعالى: وفي قلوبهم مرض، فزادهم الله مرضًاً، ولهم عذابٌ أليم بسبب كذبهم، كما جاء في الآية الكريمة
ومن ذلك ما ورد القراءات في قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10]، قرئ يَكْذِبون: بفتح الياء، وسكون الكاف وكسر الذال بمعنى: يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله وعن المؤمنين، وقرئ يُكَذِبون: بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال المكسورة بمعنى: يكذبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي، فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه، بل كل منهما ذكر وصفًا من أوصاف المنافقين؛ وصفتهم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس، ووصفتهم الثانية بتكذيب رسل الله فيما أوحي إليهم من التشريع، وكل حق فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب.
خلاصة المقصد: ومن ذلك يتضح أن تعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة، وليس بسبب تحريف أو تبديل، وأنه لا يترتب عليه أمور مشينة أو تناقضات واضطرابات، بل معانيها ومقاصدها متفقة والله هو الموفق.