حقيقة قوة الحارث ابن عباد
الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، من بني بكر، كان واحدا من أهم وأحكم أسياد قبائل العرب. كان شاعرا قويا وصارما وفارسا مغوارا، واشتهر بالحكمة وحبه للتسامح والسلام وكرهه للحروب والمعارك. كان يسعى للتوسط بين قومه وحل المشاكل بينهم، وشهد على مقتل كليب بن ربيعة التغلبي على يد جساس البكري، وكذلك على حرب البسوس التي حدثت بين تغلب وبكر، ولكنه سعى جاهدا لحل الخلاف بين الطرفين ونشر روح السلام والتصالح طوال فترة الحرب التي استمرت أربعين عاما.
حياة الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
كان الحارث بن عباد يتسم بالعقل والحكمة والهدوء في اتخاذ القرارات والتصرفات حتى وبعد أن قتل المهلهل ابنه بجير لم يريد أن يرد العنف بالعنف وأيضا في موضوع الخلاف والحرب التي كانت بين كل من تغلب و بكر اختار السلام وذلك ليس لضعف أو فقدان لسيطرة أو لقوة ولكن من أجل السلام النفسي والراحة النفسية.
ماذا عن ابنه بجير
كان للحارث بن عباد ابن وحيد يسمى بـ `جير`، أرسل إلى المهلهل بن ربيعة، أخي كليب بن ربيعة، وذلك لحقن دماء القبائل وتهدئة الحرب بين الطرفين، فقتلقى الحرث بن عباد ابن وحيد المرسل إليه المهلهل بن ربيعة، شقيق كليب بن ربيعة، ذلك لمنع تدفق الدماء وتهدئة الحرب بين الجانبين، فقتله المهلهل، وبذلك جعل الحارث بن عباد ينسحب نهائيا عن الحرب حزنا على وفاة وحيده، واستعد لمحاربة المهلهل، ولكنه كان أعمى في ذلك الوقت، وقام المهلهل بكسر ظهره، لينتهي ذلك بأنه أعطاه الأمان. وبعد ذلك، عاش هو وأبناؤه آخر حياتهم في وسط قبيلته بكر .
ما هي قصة الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
أراد السلام والحياد، ومع ذلك، طيلة حياته اضطر إلى المشاركة في القتال وخوض المعارك مع أفراد قبيلته. رفض قتال كليب بسبب ناقة، لأنه رغب في السلام ورفض الحرب. كان سيدا لعشيرته وحكيما لقبيلته، لكن المهلهل لم يتفق معه في الرأي، بل رغب في تمديد الحروب بين القبيلتين وعدم السماح له بالاستمتاع بالسلام الذي اختاره. أراد إشعال نيران الحرب ونشرها في كل بيت، وقال
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ هَمَّامْ
عندما خرج جير، ابن الحارث، ليرعى أغنامه، هاجمه المهلهل وأمسك به، لكنه خاف وقال إن أباه انسحب من الحرب بين تغلب وربيعة. في ذلك الوقت، نصح امرؤ القيس المهلهل بعدم قتل جير وأخبره أن أباه انسحب من الحرب، ولكن المهلهل لم يترك الفتى وقام بقتله بسهولة. عندما أخبر الناس الحارث بقتل المهلهل لابنه الوحيدة، وقف الرجل بثبات وقال قصيدته الشهيرة، ومن هذه الأبيات اختصرت
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حِيَالِ
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّه وَإِنِّي بِحَرِّهَا اليَوْمَ صَالِ
لا بُجَيْرٌ أَغْنَى قَتِيلاً وَلا رَهْطُ كُلَيْبٍ تَزَاجَرُوا عَنْ ضَلالِ
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي إِنَّ قَتْلَ الغُلامِ بِالشِّسْعِ غْالِ
كانت هذه القصيدة تعتبر إعلانا صريحا للحرب، حيث أمر الحارث جنوده بحمل نسائهم معهم لرعايتهم وعلاج جروحهم وتقديم الطعام والشراب لهم، وقتل أعداءهم من القبيلة الأخرى. ولكن سأل أحد أتباعه كيف سنعرف نسائنا ونميزهن عن الرجال الآخرين، فأجاب بأنهم سيقومون بحلاقة شعرهن، ومن هنا سمي هذا اليوم بـ `تحلاق اللمم`.
وقال قصيدة مشهورة في هذا اليوم:
سئلوا عَنَّا الَّذِي يَعْرِفُنَا بِقُوَانَا يَوْمَ تَحْلاقِ اللِّمَمْ
نحن نطرد الجاهل من مجالسنا، حتى تصبح مجالسنا كالحرم
تمر اللحظات وأحداث الحرب تبين لنا حكمة وطيبة قلب الحارث بن عباد. في وقت الحرب، قام بأسر شاب من قبيلة العدو ليستجوبه عن مكان عدى بن المهلهل، وذلك للانتقام من قتل ابنه جبير. ولكن كان لزاما على الحارث أن يمنح الشاب الأمان قبل أن يجيب على سؤاله. وفعل ذلك الحارث، وعندئذ اعترف الشاب بأنه هو “عدي” الذي كان يبحث عنه. لم يجد الحارث مفرا من تنفيذ الشرط، فترك الشاب يفر هاربا أمام تعجب وتساؤل كبير من أفراد قبيلته. ولكنه أجابهم من خلال هذه الأبيات
لَهْفَ نَفْسِي عَلَى عَدِيٍّ وَلَمْ أَعْ رِفْ عَدِيًّا إِذْ أَمْكَنَتْنِي اليَدَانِ
قصة أخرى للحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
للحارث قصة أخرى تنم عن مدى قوته وصواب عقله وحكمته وهي أنه بعد أن طلق أحد نسائه لتتزوج من رجل آخر، زاره هذا الرجل ليخبره بأنها فضلته عليه، فرد الحارث عليه بكلمات قليلة ولكنها تحمل الكثير في طياتها وهي “عش رجبا تر عجبا”، وفي هذا المثل حذف وبلاغة، فالأصل “عش رجبا بعد رجب تر عجبا”، وظل الحارث مشغولا بأمور قتال أعدائه حتى قتله اثنان من مساعديه بدماء باردة، وبعدها تذكرته القبائل ورثوه على أنه كان من أفضل الأقوياء في هذا العصر.