حقوق الراعي والرعية
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ, اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِينُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, اَلصَّادِقُ اَلْأَمِينُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
نحن محظوظون بنعمة الإسلام التي أنعم الله علينا بها، فقد وضح لنا الإسلام جميع احتياجاتنا اليومية في الحياة، ومن بينها حقوق الراعي والرعية التي تضمن لنا حياة سعيدة. وسوف نتناول في هذا الموضوع حقوق الراعي والرعية .
تعريف الراعي
الراعي هو الشخص المكلف من قبل الله عز وجل أو الإمام بمهمة متابعة ومراقبة الأشخاص المقربين، مع التأكد من استقامة حياتهم وتوجيههم في الاتجاه الصحيح، سواء كانوا في العمل أو الأسرة. يتحمل الراعي مسؤولية هذه المهمة وسيحاسب عليها فيما بعد. وهو أيضا الشخص المسؤول في المجتمع عن فرد أو مجموعة من الأفراد، سواء كانوا في المنزل أو العمل أو غيرها. ويمكن أن يكون الراعي شخصا مرموقا مثل رئيس ولاية كبير أو صغير، فالرئيس راع، والوزير راع، والمدير راع .
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب: `كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته`، وهذا صحيح من رسول الله صلى الله عليه وسلم
نحن جميعاً مسؤولون أمام الله عز وجل عن أعمالنا، فالأب هو الراعي لأهله بتوفير قوت يومهم، والأم مسؤولة في بيتها، والأبناء مسؤولون عن أنفسهم وحفاظهم عليها، وجميعنا مسؤولون وسنحاسب في يوم الدين على أهليتنا وعن كل التصرفات الخاطئة التي نقوم بها أنفسنا ورعايانا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
خلق الله عز وجل إيانا وجعل بعضنا متصلا ببعض في الحياة والحياة المعاشة. ومن حكمته أنه جعل البشر بحاجة إلى من يرشدهم ويتولى أمورهم ويدير شؤونهم. لن يحسنوا أحوالهم ولن تكون حياتهم مستقيمة إلا بتنظيم أمورهم التي يراعيها ويتولاها زعيمهم وإمامهم. وكلما اتسعت رقعة المجتمع ، زادت السلطات الفرعية التي تخضع للسلطة العليا. فإذا لم يكن للمجتمع قائد يتولى أموره وإمام يستمع له ويطيعه، ستنشأ الانقسامات والصراعات. هكذا كانت المجتمعات قبل الإسلام، كانت ضعيفة ومتناحرة، حتى جاء الإسلام وعمل على تنظيم الأمور بدقة وأعطى الإمام حقوقا على المواطنين، ووضع حقوقا للإمام من المواطنين .
تعريف الرعية
الرعية هي الشخص أو المجموعة من الأشخاص الذين لديهم القدرة على تحمل المسئولية والتزاماتها، والذين يتحملون ما يجنونه من توجيهات وتبعيات أعمالهم فيما بعد. ويشمل مفهوم الرعية أيضا أفراد الأسرة والأطفال في الحضانة والعمال في العمل وغيرهم، ويجب على كل هؤلاء الإنصياع لأوامر الراعي لهم حتى لا يحدث الخلل، ولذلك يجب عليهم الطاعة، نظرا لأن الحياة التي نعيشها مليئة بالصعوبات التي يمكن تجاوزها من خلال الحصول على المعلومات من الأشخاص الأكبر سنا .
حقوق الراعي والرعية
كما للراعي حقوق وواجبات، فللرعية أيضًا حقوق وواجبات. ولتنظيم شأن الرعية، يجب عليها الالتزام بحقوق الراعي، وهي:
من حقوق الراعي
- السمع والطاعة وعدم الخروج عليه
- النصرة والجهاد
- النصيحة
السمع والطاعة وعدم الخروج عليه : حدثنا حسن بن الربيع حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان عن أبي رجاء عن ابن عباس يرويه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية .
وقال تعالى ” ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(سورة النساء : آية 59)
النصرة والجهاد : ذكر أبو نعيم في الحلية أن الفضيل بن عياض قال: لو كان لدي دعوة مستجابة، لما طلبتها إلا من الإمام. وسئل عن السبب في ذلك، فأجاب أنه إذا صارت الدعوة مجابة في نفسه، لم يشعر بالسعادة، ولكن إذا صارت مجابة في الإمام، فإن صلاح الإمام هو صلاح العباد والبلاد. وأوضح الفضيل بن عياض أن صلاح البلاد يتم حين ينعم الناس بالأمن والعدل، وأن صلاح العباد يتم حين يتعلمون الدين ويهتمون به، ويتركون طلب المعيشة فقط. ويجتمعون في مساجد ويتعلمون العلم وينظرون إلى أنفسهم ويتحركون للتغيير الإيجابي، وهذا يعود بالنفع على البلاد بأكملها. وكان ابن المبارك يمجد الفضيل بن عياض ويقول: “يا معلم الخير، من يفهم هذا بشكل جيد إلا أنت؟ .
النصيحة : أخبرنا علي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم بثلاثة أمور ويسخط لكم بثلاثة أمور، يرضى لكم بأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تتمسكوا جميعا بحبل الله ولا تفترقوا، وأن تنصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم بالقيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال .
من حقوق الرعية
- الحكم بينهم بشرع الله
- النصح
- الرفق والرأفة
- إقامة العدل
الحكم بينهم بشرع الله : فاحكم بين الناس بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذر أن يفتنوك ببعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم أن الله يريد أن يصيبهم بذنوبهم، وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟” (سورة المائدة: آية 50)
النصح : : “حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد بن عمر، ثم أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، ثم أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، ثم أخبرنا شيبان بن فروخ الأيلي، ثم أخبرنا أبو الأشهب، ثم أخبرنا الحسن قائلا: “عاد عبيد الله بن زياد مع معقل بن يسار وهو في حالة المرض الذي توفي به. فقال معقل: أخبركم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “ما من عبد يسن عليه الله رعية، ثم يموت وهو يغشها، إلا حرم الله عليه الجنة .
الرفق والرأفة : عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في بيتي هذا: `اللهم إذا كان هناك شخص يتولى أمر أمتي ويعانون منه مشقة، فاصعقه بالشقاق، وإذا كان هناك شخص يتولى أمر أمتي ويرحمهم، فارحمهم`.” – رواه مسلم
إقامة العدل : قال سبحانه وتعالى: `إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربىٰ وينهىٰ عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .
بحث عن حقوق الراعي والرعية
كلمتا الراعية والرعية هما كلمتان مشتقتان من الرعي والرعاية، وقد اهتم الإسلام بتوضيح حقوق الراعي والرعية، لأن العلاقة بين الراعي والرعية إذا انتظمت يستقيم المجتمع.
حقوق الراعي نحو رعيته
يشير مصطلح “الراعي” إلى الإمام أو الحاكم الذي يتولى رعاية الناس، والإسلام كفل للرعية العديد من الحقوق التي تضمن لهم حياة مستقرة في المجتمع، ومن تلك الحقوق:
ضمان تحقيق العدالة بين الناس وأن يكونوا جميعا متساويين، حيث لا يتم التمييز بين الأفراد بناء على ثروتهم أو مكانتهم.
يعتبر نشر شرع الله في الأرض واجبًا على الراعي تجاه رعيته، حيث يضمن شرع المولى عز وجل استقامة وسلامة المجتمع، وبالتالي يتحمل الراعي مسؤولية نشره وتوعية الناس به.
يحق للرعية أن يتقى راعيهم وأن يحترم حقوقهم ولا يظلمهم، لأنه هو ولي أمرهم.
يجب على ولي الأمر أن يرافق برعيته، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: ” اللهم من ولاهمر أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فشقق عليه، ومن ولاهمر أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به.
حقوق الرعية نحو الراعي
أوجب الله تعالى على الرعية طاعة الراعي فيما لا يتعارض مع طاعة الله ورسوله، فقد أمر الله تعالى بذلك في كتابه العزيز حيث قال في سورة النساء: “أطيعوا الله وأطيعواالرسول وأولي الأمر منكم”، ويأتي الانصياع لأولي الأمر بعد الانصياع لله ورسوله ما لم يتعارض مع ذلك ولا يكون في معصية الله تعالى.
يتوجب على الرعية تعيين راعٍ، وتقديم النصح له، خاصةً من قِبَل رجال الدين، وعلى رجال الدين أيضًا تقديم النصح للناس وتقريب المسافة بينهموبين الراعي.
ينبغي أن يكون نصح ولي الأمر بما يحفظ هيبته في قلوب الناس، وليس بالتشهير به أو الإكثار من القيل والقال حوله، بل ينبغي أن يكون النصح بأسلوب يحقق الأفضلية، حتى لا يتراجع العامة عن الحاكم وتتعرض هيبته للإسقاط، وهو أمر يحمل في طياته فتنة كبيرة ويسبب ضرراً كبيراً على المجتمع.
وقد ورد أن أحد الصحابة قد قال بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، والله لا أشارك أحد في قتل أحد بعد الذي وقع مني في عثمان، فقيل له هل أعنت على قتل عثمال، قال إني أحسن أن ذكري لمساوئه إعانة على دمه، فقد اعتقد الصحابي أنه عندما ذكر مساويء عثمان على الملأ قد شجع السفاء على التجرؤ عليه وقتله رضوان الله عليه.
يوجد في هذا دليل على ضرورة الحفاظ على هيبة ولي الأمر، حتى لو كانت الرعية تختلف معه أو لا توافقه في أفعاله. فالإنسان في موقع المسئولية يرى ويعرف ما لا يدركه الآخرون من العامة، وإذا تلاشت هيبة الحاكم فقد يهتز الأمن في المجتمع وقد يسيل الدم بسبب ذلك.
خاتمة بحث عن حقوق الراعي والرعية
يضمن الحفاظ على حقوق الراعي والرعية في الإسلام بقاء الروابط الاجتماعية والحفاظ على العرض والدين، ويساعد علىانتشار الأمن والاستقرار في المجتمع.