الخليج العربي

تقرير عن “رقصة الدحة” وعلاقتها بمعركة “ذي قار”

الفنون الشعبية في المملكة

يمتلئ تاريخ المملكة بالكثير من الأسرار، ولن تستطيع الحصول عليها إلا إذا تعمقت في قراءته، فالتاريخ حافل بالانجازات العظيمة، خاصة المعارك والحروب التي هي موطن الفخر لكل قبيلة من القبائل التي عاشت على أرض المملكة، حيث تعتبر هذه المعارك برهان ودليل واضح على مدى شجاعتهم وبسالتهم في خوض الكثير من المعاركـ ومن أهم وأبرز هذه المعارك هي معركة “ذي قار” والتي انتصر فيها العرب على الفرس في ذلك الحين، والمدهش أن أحد ضروب الفنون الشعبية قد نشأ في ذلك الوقت وهي ” رقصة الدحة” حيث انتشر كثيرا أن رقصة الدحة قد ظهرت في تلك المعركة وباتت إلى يومنا هذا من الفنون الشعبية، فما هي قصة نشأة رقصة الدحة؟ وعلاقتها بمعركة ذي قار؟ هذا ما سوف نورده في هذا المقال.

قصة رقصة الدحة

تعود نشأة رقصة الدحة إلى تاريخ بعيد حينما قامت مجموعة قليلة من قبيلة عنزة حينما خرجوا على جمالهم وأثناء نزولهم للمبيت ليلا سمعوا أصوات قريبة منه فاستكشفوا فوجدوا جيشا يفوقهم عدة وعدد ولا يمكن مواجهته وقد فطنوا أن هذا الجيش قد أرسل من يستكشف أمرهم، لذلك عمدوا إلى حيلة وهي الهدير مع الجمال بأصوات قوية وقد ظن الجيش أنهم جيشا جرارا لكثرة أصواتهم وأصوات جمالهم التي لا يقطعها طول الليل والمسافة، وقد غادروا كما جاءوا، ثم بعد ذلك أدخلوا فيها الشعر والرقصات .

قصة هند بنت المنذر

عندما لجأت هند بنت المنذر إلى قبيلة بكر بن وائل في العراق للهروب من اضطهاد كسرى فارس واستعباده للقبائل العربية، تحركت جموع أبناء وائل بنو حنيفة وبنو عبد القيس وغيرهم لمساندة أبناء قبيلة بكر. تجمع جيش القبائل العربية وجيش كسرى في مكان يسمى `ذي قار`. انتهت هذه المعركة بانتصار العرب وهزيمة جيش الفرس. من هذه المواجهة العظيمة، انطلق الرجال موحدين وبدأوا يتبنون هذه الثقافة الشعبية الأصيلة للتعبير عن شجاعتهم وفخرهم بابنة المنذر وحمايتها من الاضطهاد الذي كانت تواجهه من الدولة الأقوى في ذلك العصر .

معركة ذي قار

بالرغم من ربط رقصة الدحة بمعركة ذي قار على مدى عدة سنوات، هناك من يشكك في صحة هذا التاريخ. قد أعلن الكاتب والمؤرخ في الأنساب، عبدالله بن عبار، أن ربط `رقصة الدحة` بمعركة ذي قار هو رواية شعبية لم يتم تأكيدها، وأنها انتشرت في هذا العصر وأصبحت ثابتة في أذهان الناس العاديين. وقد كتب العديد من المقالات والكتب وقمت بتتبع معركة ذي قار، ولم أجد أي إشارة إلى رقصة الدحة. وقد أكد أن المعركة حدثت قبل عشر سنوات من الهجرة، لذا فمن الصعب أن تكون الرواية قد نقلت لأكثر من 1455 سنة دون أن توثق بأي وثائق.

وقال أيضا “الدحة مجرد لعبة ليس لها أي تاريخ وهي مثل القلطة والعرضة والدبكة، وليست مختصرة على قبيلة معينة بل تلعبها جميع قبائل الشمال في الأردن وفلسطين، وهي خاصة بالبادية، ومن القبائل التي تلعبها عنزة والشرارات والحويطات وبني عطية وبني صخر والعظامات والشرفات والمساعيد والعجارمة والعدوان والحجايا والسردية”

طريقة رقصة الدحة

يتم أداء رقصة الدحة جماعيا، حيث يصطف الرجال في صف أو صفين متقابلين يسمون بالرواديد، وفي منتصف الصف يقف الشاعر ويقرأ قصيدته بنمط الهجيني، ويكرر الصفان الآخران الأبيات بالتناوب. ويكون البيت المتفق عليه مسبقا هو “هلا هلا به يا هلا.. لا يا حليفي يا ولد.” رقصة الدحة هي مجموعة من الأهازيج والأصوات التي تشبه زئير الأسود أو هدير الجمال، وفقا للباحث التاريخي محمد السبي .

وهنا تتنوع القصيدة الملقاة بين المدح والفخر والذكر والحمد والفرحة والغزل، ويتم أداؤها بأسلوب قصصي سردي لأماكن أو هجاء أو مدح، وتأتي حركة الدحية في نهاية القصيدة، حيث يستخدم التصفيق كنوع إيقاعي يتميز بالحماس في أدائه الحركي، ويتطلب من كل مشارك في هذه الرقصة أن يتفق بين الأداء الحركي والنفسي حتى يتمكن من مجاراة باقي المشاركين، ومن الجدير بالذكر أن شاعر الدحية يسمى بالإبداع وقصيدة الدحية تعرف عند البعض بالبدع .

قصائد الدحة

يعد الشاعر حامد بن سعدنه واحدًا من أشهر شعراء الدحة، الذي توفي في أواخر القرن الثالث عشر، وله مقتطفات من قصيدة طويلة تعتبر أطول ما سمع من شعراء الدحة والتي وصف فيها بعض المعارك واستمرت ليلة كاملة وقد وصف فيها كل ما حدث في تلك المعركة. ومن بين هذه القصائد:

قصيدة سليمان الأفنس

يوم الله جابن بالسامر
بطموما واللعب عامر
بحسي والله ما غامر
ما غامر على الشرداني
ما شفتي يا ملا النجم
والبزر يهجمنا هجم
و حنا نتدرق بالرجم
صرنا للبزر نيشاني
يوم تسمع للصمع مرازم
من ممليات المحازم
وكل عن عمره عازم
يقول الموت إصطلاني

يوم زايد ولد مزيـدة
حدر ذلوله وحيده
يقول ما ربعي بريره
مزولي ولد عبداني
وهليـل على ذلولـه
حدرها محدار هوله
يقول العمر عدولـه
وأصمد كان الله وقاني
ونعما لك بابن عزنود
نوخ شعيله بالسنود
على الكسير الحرجاني
وبعضنا طوح البارود
يقول الفعل مايعود
شرد يشـادي للقعـود
مثل القعود الفسقاني
يوم مفلح حدرهم ليـه
وينادي وين الحميه
ياحامي تالي الرديـه
نعما بولد عبداني
يوم حول على فارسهم
عداهم عن متارسهم
تسمع بالقـاع مفارسهم
مثل صريك العقباني
يوم قودان أخو ثنيـه
حدرها على ألف و ميه
يقول إن كان لي منيه
ما ود الفضه تاقاني
يا زينه يوم أتطـرى
الفعل فعل أخو سرا
ما توه للهوش مضـرا
ينطحهم مثل الدواري
وانا ياضافي الجلعودي
انا ما صيدي شرودي
بس إنه عرد قعـودي
يوم ان البزر يغشاني
وفـعلي أنا أعــده
عن ربوعي ما اسده
مخمـاري بين الاشده
خربا حداه الجيعاني
ودي اعلمك باخبـاري
فعلي بذاك النهاري
أيست الرجعه لدياري
ووقاني رب الأدياني
يوم انـي طبيت الجمه
نطيحي ماعاد اذمه
عقبته راسه والرمه
شلته من بين الامتاني

ويقول شاعر شراري

كانك علينا جالبها….يالطيّب غير تجنبها…باموالا ماتحبسبها
تورث للجيل التالي
كنت تشكل تهديدا للبلاد… اسحب عنا ولا تعود… أنت لا تمثل سوى الخزي والعار
لقح وخلفاتاً متالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى