تفسير ” ومن يهن الله فما له من مكرم “
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [سورة الحج: 18]
تفسير الآية ابن كثير:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}: يخبر الله تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً، وسجود كل شيء مما يختص به كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ الله مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [سورة النحل: 48]} وقال ههنا {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}: أي من الملائكة في أقطار السماوات، والحيوانات في جميع الجهات، من الإنس والجن والدواب والطير، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44]
وقوله: {والشمس والقمر والنجوم}: يذكر هذا على التنصيص لأنها قد عبدت من دون الله. يبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة. {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن} [فصلت:37]. وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت». وفي حديث الكسوف: «إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له» [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه].
وقال أبو العالية: لا يوجد في السماء نجم أو شمس أو قمر إلا يسجد لله عند غيابه ويعود حتى يؤذن له ثم يأخذ مكانه عند مطلعه، وأما الجبال والأشجار فإن سجودهما يكون بظلالهما دون اتجاه محدد. وعندما قال رجل للرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه رأى أنه سجد خلف شجرة في منامه وأن الشجرة سجدت معه وطلبت من الله أن يثيب الرجل على هذا الفعل، فقرأ الرسول الله صلى الله عليه وسلم سورة السجدة وسجد كما فعل الرجل في منامه وقال مثل ما قالت الشجرة. وهذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان.
وقوله: الوالدون: أي الحيوانات كلها، وقد جاء في الحديث عن الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن استخدام ظهور الحيوانات كمنابر، فرب مركوبة خير وأكثر ذكرا لله من راكبها، وقوله: `وكثير من الناس`: أي الذين يسجدون لله طوعا ويعبدونه، و `وكثير حق عليه العذاب`: أي الذين يرفضون ويتكبرون.
{ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}، وقال ابن أبي حاتم: قيل لعلي إن هناك رجلا يتحدث في القضاء والقدر، فقال له علي: يا عبد الله، أليس الله خلقك كيف شاء وإن شاء؟ قال: بلى، قال: وأليس يمرضك إذا شاء وإن شاء، ويشفيك إذا شاء وإن شاء؟ قال: بلى، قال: وأليس يدخلك إلى المكان الذي يشاء وإن شاء؟ قال: بلى، قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي في عينيك بالسيف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد لها، فإن الشيطان ينزع الى عينيه وهو يبكي، يقول: يا ويله، أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار.` [رواه مسلم في صحيحه].