تفسير ومعنى “فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا”
الاستغفار من الشعائر الدينية التي يجب على كل مسلم اتباعها، فهو يمحو الذنوب، وذكره الله تعالى في العديد من المواضع في القرآن الكريم، بما في ذلك سورة نوح .
تفسير فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا
– يقول الحق سبحانه و تعالى في سورة “نوح” : إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) .
تفسير ابن كثير
– فإذا تمعنا في تفسير الآية العاشرة نجد أن ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) أي : ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه و توبوا إليه من قريب ، فإنه من تاب إليه تاب عليه ، و لو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك ؛ ولهذا قال : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي : متواصلة الأمطار ، و لهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية ، و هكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أنه صعد المنبر ليستسقي ، فلم يزد على الاستغفار ، و قرأ الآيات في الاستغفار ، و منها هذه الآية ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) .
تفسير السعدي
– { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } أي : اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب ، واستغفروا الله منها ، { إنه كان غفارا } كثير المغفرة لمن تاب واستغفر ، فرغبتهم بمغفرة الذنوب ، وما يترتب عليها من حصول الثواب ، واندفاع العقاب .
تفسير القرطبي
– قوله تعالى : فأنصحكم بأن تستغفروا ربكم وتطلبوا منه المغفرة لذنوبكم السابقة بصدق الإيمان، فإنه هو الغفار، وهذا يشجع على التوبة. وروى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: `الاستغفار ممحاة للذنوب`. وقال الفضيل: إن العبد يقول: `أستغفر الله` ومعناها: `أقلني` .
تفسير الطبري
– و قوله: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) يقول : فقلت لهم : سلوا ربكم غفران ذنوبكم ، و توبوا إليه من كفركم ، و عبادة ما سواه من الآلهة و وحدوه ، و أخلصوا له العبادة ، يغفر لكم ، إنه كان غفارًا لذنوب من أناب إليه ، و تاب إليه من ذنوبه .
حكم من يلازم الاستغفار
– لا بأس أن يكثر الإنسان من الاستغفار ليرزقه الله تعالى المال والولد ، قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأُمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر ؛ ثم قرأ استغفروا ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً ، ( بمجاديح ) جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر به . وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب العرب في هذا الزعم الباطل ، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم .
– وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له :أستغفر الله، ثم شكى آخر فقره إليه، فقال له: أستغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدا. فقال له: أستغفر الله. ثم شكى آخر جفاف بستانه إليه، فقال له: أستغفر الله. فقلنا له: ما قلت من عندي شيئا. إن الله تعالى يقول في سورة نوح (استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) .
صيغ الاستغفار
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل عن شداد بن أوس رضي الله عنه: أن سيد الاستغفار هو أن تقول: “اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال هذا الدعاء في النهار موقنا به، ومات قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قاله في الليل وهو موقن به، ومات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة”. ورواه البخاري في صحيحه تحت رقم (5947) .
يروى عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: `رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير.` رواه البخاري (6035) ومسلم (2719) .
– عن ابن عمر قال : إذا كنا في الجلسة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول “رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم” مائة مرة. وروى الترمذي (3434) وأبو داود (1516) وابن ماجه (3814) أنه قال “التواب الغفور” بدلاً من “التواب الرحيم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: `من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له ولو كان فر من الزحف`. وروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق أبي يسار، وسجل في صحيح الترمذي وسنن أبي داود، وقد صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل `اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم`. رواه البخاري (799) ومسلم (2705) .