اسلامياتالقران الكريم

تفسير ” وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم “

{وعقدوا النكاح للأيامين منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن كانوا فقراء يغنهم الله من فضله ۗ والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتىٰ يغنيهم الله من فضله ۗ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ۖ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ۚ ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء ۚ إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ۚ ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ۝ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين}” [سورة النور: 32-34]

سبب نزول الآية:
في اللباب: نقل ابن السكن عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قوله: كنت عبدًا مملوكًا لحويطب بن عبد العزى، فسألته عن الكتابة، فنزلت الآية {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}

نزلتآية {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} بخصوص عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان لديه إماء، وكان يجبرهن على البغاء لجمع الخراج ولإنجاب أولاد لهن، ويدعي أنه لديه رياسة. وقد وردت الآثار المتعلقة بهذه القضية

 قال الحافظ البزار في مسنده: كانت جارية تدعى معاذة تعمل لعبد الله بن أبي بن سلول، وكان يكرهها على الزنا، وعندما نزل الإسلام نزلت هذه الآية: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}. وقال الأعمش: نزلت هذه الآية في امرأة تدعى مسيكة كان يكرهها على الفجور وكانت لا بأس بها، لكنها رفضت الزواج، فأنزل الله هذه الآية: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}

وروى النسائي عن جابر نحو هذا الأمر، وروى الزهري أن رجلا من قريش أسر يوم بدر، وكان عند عبد الله بن أبي أسير جارية تدعى معاذة، وكان الأسير القرشي يرغب في الحصول عليها لنفسه، وكانت المعاذة مسلمة وتمتنع عنه بسبب إسلامها، وكان عبد الله بن أبي يعاتبها على ذلك ويضربها عسى أن تحمل من الأسير القرشي، فيطلب فدية ولده، فقال الله تبارك وتعالى: `ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا`

وقال السدي: أنزلت هذه الآية الكريمة على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين. وكان لديه جارية تدعى معاذة، وكان يرسلها إلى ضيوفه عندما كانوا يزورونه، وذلك ليشعروا بأنهم قد قابلوا ابناء البيت النبوي ويحظوا بثواب الله وشرفه. وعندما شكت المرأة إلى أبي بكر عن هذا الأمر، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بإلقاء القبض على الجارية. وعندها صاح عبد الله بن أبي بن سلول: “من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا”، وعلى إثر ذلك، أنزل الله هذه الآية.

تفسير الآيات ابن كثير:
اشتملت هذه الآيات الكريمات، على جمل من الأحكام المحكمة، فقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}: أمر بالتزويج، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه، واحتجوا بظاهر قوله عليه السلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود]، وقد جاء في السنن: «تزوجوا الولود، تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»، الأيامى جمع أيم، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها، وللرجل الذي لا زوجة له، يقال: رجل أيم وامرأة أيم.

{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ}: يقول ابن عباس: إن الله يرغب في تزويج الناس وأمر بذلك الحرة والعبد، ووعدهم بالغنى، فقد قال: “إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله”. وقال أبو بكر الصديق: “أطيعوا الله في ما أمركم به من النكاح، فينجز لكم ما وعدكم من الغنى”، وذلك بناء على قوله تعالى: “إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله”. وقد قال ابن مسعود: “طلبوا الغنى من خلال النكاح، فقال الله تعالى: “إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه: « لله ثلاث حقوق على من يستعين به: الناكح يريد العفاف، والمستأجر يريد الأداء، والمجاهد في سبيل الله ». وزوج النبي صلى الله عليه وسلم تلك الرجل الذي لم يكن لديه سوى إزار ولم يستطع شراء خاتم حديدي، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يعرفه من القرآن، وكان الله تعالى كريما ولطيفا عندما رزقه ما يكفي له ولزوجته.

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: هذا هو أمر من الله تعالى للأشخاص الذين لا يستطيعون الزواج بطريقة شرعية، ويتمثل ذلك في الامتناع عن الحرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “ومن لم يستطع فليصم فإنه له وجاء”. وهذه الآية مطلقة، والتي ذكرت في سورة النساء هي أكثر تحديدا؛ إذ تقول: “ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم” [النساء: 25]،

 قال عكرمة في قوله:{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا}: يعني أن الرجل الذي لا يجد شريكا للزواج، يجب عليه أن يمتنع عن الرغبة الجنسية والإمتناع عن العمل الشهواني، وإذا كان لديه زوجة فعليه أن يتوجه إليها ويستمتع بها جنسيا، وإذا لم يكن لديه زوجة فيجب عليه أن يتأمل في خلق السماوات والأرض حتى يشعر بالرغبة الجنسية منحها الله. وقوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا}: هذا هو أمر من الله تعالى لأصحاب السلطة عندما يطلب منهم الكتابة من خدمهم، على شرط أن يكون للخادم مهارة وقدرة على الكتابة، وذلك لتلبية احتياجات سيدهم المالية التي تم الاتفاق عليها.

 {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}: بعضهم قال: “أمانة”، وبعضهم قال: “صدقا”، وبعضهم قال: “مالا”، وبعضهم قال: “حيلة وكسبا”. وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وآتوهم من مال الله الذي آتاكم”. المفسرون اختلفوا في تفسير هذه الآية، فقال بعضهم: إن المقصود هو أن تعطوهم جزءا من الكتابة. وقال آخرون: بل المراد هو النصيب المفروض عليهم من أموال الزكاة، وهذا هو قول الحسن ومقاتل وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير. وقال ابن عباس: أمر الله المؤمنين بمساعدة العبيد المحتاجين. وقد تم ذكر ذلك في الحديث: “ثلاثة حق على الله عونهم”، ومن هؤلاء المكاتب الذين يقصدون الأداء، والقول الأول هو الأكثر شهرة.

وعن ابن عباس في الآية {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ}: قال: اتركوا المكاتبة، وقال محمد بن سيرين في التفسير: كان الجاهلون يحبون أن يتركوا بعض مكاتبتهم. وقال الله في القرآن: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}: هذه الآية تشير إلى أن الجاهلية كانت ترسل العبيد للزنا وتفرض عليهم الضريبة. وعندما جاء الإسلام، نهى المؤمنين عن هذا الفعل، وقال الله: {إن أردتم الحصول على شيء معين، فاسألوا عن ذلك بلطف}، ولذلك لا يوجد أي معنى لـ {لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} في هذا السياق.

 : يذكر الحديث عن أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن فعل الأمور السيئة مثل كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن، وفي رواية أخرى قال: “إن مهر البغي وكسب الحجام وثمن الكلب كلها أمور سيئة”. وقال الله تعالى: “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه”، ويشير هذا إلى أنه يجوز فعل هذه الأمور إذا كان الشخص مضطرا لفعلها ولا يريد الإساءة لأحد. وقال ابن عباس: إذا قمتم بهذه الأفعال فإن الله هو الغفور الرحيم تجاهكم، ولكن الإثم يكون على الشخص الذي يجبركم على فعلها، وقال أبو عبيد أن الآية تعني أن الله يوجه هذا القول إلى النساء، وتحديدا إلى النساء اللاتي يعانين من زوجين يجبرانهن على فعل هذه الأفعال، وأن هذه الآية تشكل تذكيرا للمتقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى